في الوقت الذي يقف فيه المواطن المصري عاجزًا أمام طوابير العيش وأسعار الخضروات التي اشتعلت نيرانها، خرجت حكومة الانقلاب لترقص على جراح الفقراء، متباهية بتحقيق "طفرة تاريخية" في الصادرات الزراعية. الأرقام التي أعلنها وزير الزراعة علاء فاروق عن تصدير 8.8 مليون طن من خيرات مصر، ليست دليل نجاح كما يزعم، بل هي وثيقة إدانة لنظام قرر تجويع شعبه وتفريغ الأسواق المحلية من السلع الأساسية، من أجل حفنة من الدولارات تذهب لسداد فوائد ديون لا تنتهي.
هذا "الإنجاز" المزعوم، الذي يحتفي بزيادة الصادرات بنسبة 9.3% عن العام الماضي، يطرح تساؤلاً مريرًا على ألسنة الملايين: كيف لدولة تعاني أزمة غذاء وارتفاعًا جنونيًا في الأسعار أن تخرج ما يقرب من 9 ملايين طن من غذائها للخارج؟ الإجابة تكمن في سياسات "الجباية" التي تنتهجها السلطة، والتي ترى في بطون المصريين عبئًا، وفي تصدير طعامهم "إنجازًا وطنيًا".
البصل والبطاطس.. سلع محرمة على موائد الغلابة
تكشف قائمة المحاصيل المصدرة عن الوجه القبيح للأولويات الحكومية. فبينما كان المصريون يصرخون من أزمة البصل التي وصل فيها سعر الكيلو لأرقام فلكية، كانت الحكومة تشحن 282 ألف طن منه إلى الخارج. وبينما اختفت البطاطس – طعام الفقراء – من الأسواق أو بيعت بأسعار تفوق طاقة البسطاء، كان النظام يصدر 1.3 مليون طن منها للأسواق الأوروبية.
إن تصدير البطاطا (328 ألف طن) والفاصوليا (312 ألف طن) والموالح (2 مليون طن)، يؤكد أن الحكومة تنفذ سياسة "الإحلال والتجويع"، حيث يُحرم المواطن من إنتاج أرضه ليُباع في الخارج، ليعود العائد ليس لدعم السلع، بل ليصب في ثقب الديون الأسود ومشاريع الاستعراض.
"الجودة" للأجانب.. و"الفرز الثالث" للمصريين
في تصريحاته، تغنى الوزير بالتزام مصر بـ"أعلى معايير الجودة والسلامة الغذائية" التي تتطلبها الأسواق الدولية. هذه العبارة تحمل في طياتها اعترافًا ضمنيًا بالتمييز العنصري الذي تمارسه الدولة ضد مواطنيها. فالمنتج "الآمن" و"عالي الجودة" يذهب للمواطن الأوروبي والعربي، بينما يُترك للمصريين في الأسواق المحلية ما تبقى من "فرز ثالث" أو منتجات تفتقر لأدنى معايير الرقابة، مليئة بالمبيدات ومسببات الأمراض، ليدفع الشعب صحته ثمنًا لهذا التصدير الجائر.
خرافة "قوة الاقتصاد" والمرونة الزائفة
وصف الوزير لهذه الأرقام بأنها دليل على "قوة ومرونة الاقتصاد"، هو نوع من الانفصال التام عن الواقع. أي قوة اقتصادية تلك التي تعجز عن توفير البصل لمواطنيها بسعر عادل؟ وأي مرونة تلك التي تعتمد على بيع الأصول وتصدير الطعام الخام دون قيمة مضافة حقيقية؟
الحقيقة المرة التي يحاول النظام إخفاءها خلف هذه البيانات البراقة، هي أن التوسع في التصدير الزراعي على حساب الاكتفاء الذاتي المحلي هو سياسة انتحارية، تؤدي لرفع معدلات التضخم وزيادة معاناة الأسر المصرية. فكل طن يخرج من الميناء، يترك خلفه فجوة في السوق المحلي يملأها الغلاء والاحتكار.
إنجاز بطعم العلقم
إن الاحتفاء بتصدير 8.8 مليون طن من غذاء المصريين في ظل هذه الظروف المعيشية القاسية، هو استفزاز لمشاعر ملايين الجياع والمحرومين. النظام الحالي يثبت يومًا بعد يوم أن "الأمن الغذائي" لديه يعني توفير الغذاء للخارج، وأن "جذب العملة الأجنبية" أهم عنده من ستر المواطن وكفايته. للتاريخ، ستظل هذه الأرقام شاهدة على حقبة بيع فيها "قوت الغلابة" في مزاد علني لإنقاذ فشل النظام الاقتصادي.

