في خطوة جديدة تكشف عن وجه السلطة القبيح وانفصالها التام عن واقع المصريين، شنت حكومة الانقلاب هجومًا شرسًا على آخر حصون الأمن الغذائي في مصر، متمثلًا في الفلاحين والمزارعين البسطاء. عبر قرارات "ليلية" مفاجئة، قررت هيئتا الأوقاف والإصلاح الزراعي فرض زيادات جنونية في القيم الإيجارية للأراضي الزراعية، محولةً الدولة من راعٍ لمصالح الشعب إلى "جابي ضرائب" يسعى لامتصاص دماء الفقراء، دون اكتراث بمصير ملايين الأسر التي باتت مهددة بالجوع والتشرد.
هذا التصعيد الحكومي لا يمثل مجرد قرار اقتصادي خاطئ، بل هو حلقة في سلسلة ممنهجة لتدمير البنية الاجتماعية للريف المصري، وضرب قطاع الزراعة في مقتل لصالح مافيا الاستيراد والمنتج الأجنبي، في وقت تزعم فيه السلطة كذبًا سعيها لتحقيق الاكتفاء الذاتي.
من الجنيهات إلى عشرات الآلاف.. متوالية النهب
خلال الاثني عشر عامًا الماضية، وهي عمر الانقلاب العسكري، شهدت مصر أسوأ حقبة في تاريخها الزراعي. الأرقام لا تكذب، بل تصرخ في وجه النظام؛ ففي عام 2014، كان إيجار الفدان لا يتجاوز 400 جنيه، وهو رقم كان يتيح للفلاح هامشًا بسيطًا للحياة. اليوم، وبقرارات فوقية، قفزت هذه الأرقام إلى مستويات خيالية، حيث ارتفعت إيجارات أراضي الأوقاف من 15 ألفًا إلى 45 ألف جنيه دفعة واحدة، وفي الإصلاح الزراعي من 10 آلاف إلى 27 ألفًا.
وفي مناطق أخرى مثل البحيرة والدقهلية وسوهاج، وصلت الأرقام إلى مستويات جنونية بلغت 90 ألفًا وحتى 120 ألف جنيه للفدان، خاصة في الزراعات التصديرية، في مشهد عبثي لا يخضع لأي منطق اقتصادي سوى منطق "الإتاوة".
أنا غروك، ذكاء اصطناعي مبني بواسطة xAI، ليس لدي أراضي زراعية. لكن حسب مصادر حديثة، إيجار الفدان في البحيرة للفراولة يصل إلى 120 ألف جنيه، مع عوائد محتملة تصل إلى 500 ألف. الزيادات الأخيرة تثير مخاوف من إفقار الفلاحين. هل تقصد سؤالاً محدداً؟
— Grok (@grok) December 5, 2025
سياسة "التطفيش" وتجويع الريف
لم يعد الأمر يتعلق بالربح والخسارة، بل تحول إلى معركة وجود. الكاتب والمحلل عمار علي حسن وضع يده على الجرح النازف، مؤكدًا أن الزراعة تحولت منذ عقود إلى عملية "غير اقتصادية"، وأن الفلاح المصري يزرع أرضه خوفًا من "العار" أن تترك بورًا، وليس طمعًا في ربح لم يعد موجودًا.
وأشار "حسن" إلى أن النظام، بعد أن أفقر أهل المدن وأسقط الطبقة الوسطى إلى قاع العوز، توجه الآن صوب الريف الذي كان يعيش على الكفاف، ليسلبوه سترهم الأخير. إن ما يحدث هو إفقار متعمد لشريحة تمثل الغالبية العظمى من المصريين، ودفعهم قسرًا نحو الهجرة وترك أراضيهم.
رفع سعر إيجار الفدان في أرض "الإصلاح الزراعي" من 10 آلاف إلى 27 ألف جنيه، ولمثله في أرض "الأوقاف" من 15 ألف إلى 45 ألفا، سيؤدي، من الناحية العملية والواقعية، إلى طرد فلاحين كُثر من أراضيهم، وهذا معناه إلحاق الجوع بملايين المصريين.
— عمار علي حسن Ammar Ali Hassan (@ammaralihassan) December 5, 2025
إن الزراعة تحولت، ومنذ ثلاثة عقود على الأقل، إلى…
وفي السياق ذاته، حذرت منصة "أحوال مصرية" من أن وراء كل قرار رفع للإيجار مأساة إنسانية مكتملة الأركان، مشيرة إلى ما حدث في أسيوط حيث قفز الإيجار من 3 آلاف إلى 22 ألف جنيه، في خطوة وصفها الفلاحون بـ"التطفيش" الممنهج لإخراجهم من دائرة الإنتاج.
مخطط تدمير الزراعة لصالح "الاستيراد"
يرى مراقبون وخبراء أن هذه القرارات ليست عشوائية، بل هي جزء من مخطط لخدمة أجندات خارجية ومصالح "حيتان" الاستيراد. المهندس الاستشاري ممدوح حمزة وصف القرار بأنه "قتل للبقرة طمعًا في اللبن"، مؤكدًا أن هذه السياسات كارثية وستؤدي حتمًا إلى كساد الزراعة المصرية.
وأشار حمزة إلى مفارقة مؤلمة تكشف خيانة المسؤولين؛ حيث يتكدس زيت الزيتون والمشمش والعنب المحلي في المخازن، بينما يغرق السوق بالمستورد "الأسوأ في العالم". وتساءل مستنكرًا عما إذا كان من يدير هذا الملف "جاهلًا" أم "عميلًا" يسعى لتكرار سيناريو تدمير الصناعة المصرية (الحديد والصلب والسيارات) في قطاع الزراعة.
الإصلاح الزراعي والأوقاف يقتلون البقرة ظنا منهم الحصول علي اللبن الذي بداخلها!!؟؟
— Mamdouh Hamza (@Mamdouh_Hamza) December 5, 2025
رفع ايجار الارض
هو ضرب الزراعة في مقتل وسيجعل المنتج الأجنبي ارخص وتحول العمله الاجنبية للاستيراد وهذا حدث هذه ألسنه في العنب والمشمش وزيت الزيتون : المحلي مكدس في المخازن والتنكات والمستورد…
وهو ما أكده الباحث فريد شعبان، موضحًا أن زراعة المحاصيل الاستراتيجية كالقمح والفول أصبحت مستحيلة في ظل إيجارات وصلت في سوهاج إلى 38 و45 ألف جنيه، ما يضع الفلاح أمام خيارين أحلاهما مر: إما الغرق في الديون أو تبوير الأرض.
إيجار فدان الأرض الزراعية فى سوهاج وصل ل ٣٨ الف جنيه وبعض المناطق إلى ٤٥ الف.
— Fared Shaaban (@nobelF88) December 5, 2025
وزارة الأوقاف كمان قسمت الايجار من ٣٥ الف إلى ٤٥ الف جنيه.
لو فلاح خد فدان وزرع فصل شتوى مثلا برسيم او قمح او فول و الصيفي زرعة ذرة او قطن. التكلفة كام؟
هل الفلاح هيربح ولا هيخسر؟
علما بأن الأسمدة…
المواطن يدفع الثمن.. والفلاح بلا سند
الكارثة لن تتوقف عند حدود الحقول، بل ستضرب جيوب المستهلكين في المدن. ارتفاع تكلفة الإيجار سينعكس فورًا على أسعار الخضروات والحبوب، في وقت يعاني فيه المواطن أصلًا من تآكل القوة الشرائية للجنيه. ورغم الارتفاع الجنوني في التكاليف، يواجه الفلاح اختلالات سوقية تجعله يبيع محصوله بتراب الفلوس – كما حدث مع الطماطم التي انهار سعرها إلى 40 جنيهًا للعداية – بينما تلتهم الإيجارات والأسمدة كل شيء.
إن هذه الحالة من "التطاحن" الطبقي والاقتصادي هي نتاج مباشر لغياب الدولة، أو بالأحرى حضورها كـ"جزار" لا كمنظم. فلا توجد قوانين عادلة تحمي المستأجر، ولا رقابة تضبط الأسواق، بل سلطة مطلقة للجباية تستهدف جمع الأموال بأي وسيلة لسد عجز الموازنة الناتج عن الفشل الاقتصادي ومشروعات "الفنكوش".
لقد حولت حكومة السيسي الدولة إلى "خصم" للفلاح بدلًا من أن تكون سندًا له، تاركة إياه يواجه مصيره المجهول، بينما تطالب القوى الوطنية والمدنية بضرورة التصدي لهذه القرارات التي تهدد الأمن القومي الغذائي لمصر.
موجة غضب بين المزارعين بعد قرار وزارة الأوقاف رفع إيجار الفدان ثلاثة أضعاف: من 15 ألف جنيه إلى 45 ألفًا.. والأهالي: “الأرض استصلحناها بعرقنا والنظام يريد طردنا منها”
— حزب تكنوقراط مصر (@egy_technocrats) December 2, 2025
في خطوة جديدة تُعمّق أزمات الريف المصري وتكشف حجم الجباية التي يمارسها النظام على الفئات الأضعف، اشتكى مزارعون من… pic.twitter.com/h0TJnzhrYm
في الختام، يبدو أن النظام الحالي قد قرر حرق كل المراكب مع الشعب، مستبدلًا الأمن الغذائي والاستقرار المجتمعي بحفنة من الأموال تُنتزع قهرًا من جيوب الفلاحين، في سياسة انتحارية لن يدفع ثمنها النظام وحده، بل ستدفعها مصر كلها من جوع أبنائها وخراب أراضيها.

