في مشهد مؤلم يختصر سنوات من التردي والإفقار الممنهج، وقف شاب بسيط أمام مستشفى نجع حمادي الحكومي في محافظة قنا، يصرخ بكلمات بسيطة تحمل معاناة الملايين: "الغلبان يجيب منين؟" السؤال الذي وجهه المواطن عبر فيديو نشرته شبكة "رصد" لم يكن مجرد استفسار عابر، بل كان صرخة احتجاج ضد نظام حوّل الخدمات الأساسية إلى سلعة لا يقدر عليها إلا الأثرياء، وجعل من حق العلاج امتيازًا طبقيًا بعدما كان حقًا دستوريًا مكفولًا للجميع.
"الغلبان يجيب منين"..
— شبكة رصد (@RassdNewsN) December 1, 2025
مواطن ينتقد ارتفاع تكلفة العلاج في مستشفى نجع حمادي في محافظة قنا pic.twitter.com/rKXf5e9l7L
من المستشفى الحكومي إلى سوق للنهب
روى الشاب في الفيديو كيف اصطحب صديقه المصاب بخلع في الكتف إثر حادث إلى مستشفى نجع حمادي، وهي مستشفى حكومية من المفترض أن تقدم خدماتها بأسعار رمزية أو مجانية للفقراء. لكنه فوجئ بمبالغ خيالية مطلوبة مقابل الكشف والفحوصات والخدمات الطبية، حتى بات من المستحيل على "المواطن الغلبان" تدبيرها في ظل الأوضاع الاقتصادية الكارثية التي يعيشها المصريون.
المستشفى الحكومية التي بُنيت بأموال دافعي الضرائب، والتي من المفترض أن تكون ملاذًا للفقراء ومحدودي الدخل، تحولت إلى نسخة من المستشفيات الخاصة في أسعارها، بل وأسوأ منها في خدماتها. هذا التحول الممنهج ليس وليد الصدفة، بل هو جزء من سياسة متعمدة لتجريد الفقراء من آخر ما تبقى لهم من حقوق، وتحويل كل شيء إلى تجارة مربحة لصالح شبكات الفساد المتغلغلة في مفاصل النظام.
الصعيد.. ساحة التجارب القاسية
ما يحدث في مستشفى نجع حمادي ليس حالة فردية، بل يعكس واقعًا مريرًا يعيشه أهالي الصعيد الذين يعانون من تهميش ممنهج وإهمال متعمد من قبل نظام السيسي. المواطن في الفيديو يوضح أن المستشفى تتعامل معهم بمنطق السوق الحرة، حيث لا مكان لمن لا يملك المال، وكأن الفقر جريمة يُعاقب عليها المواطن بالحرمان من العلاج والموت البطيء.
في منطقة تعاني أصلاً من ارتفاع معدلات الفقر والبطالة ونقص الخدمات الأساسية، يأتي ارتفاع تكاليف العلاج ليكون بمثابة الضربة القاضية لأي أمل في حياة كريمة. المواطن البسيط الذي يكدح ليل نهار من أجل لقمة العيش، يجد نفسه عاجزًا عن توفير تكاليف علاج إصابة بسيطة كخلع في الكتف، فما بالك بالأمراض المزمنة والعمليات الجراحية الكبرى؟
شعارات براقة وواقع كارثي
يروّج نظام السيسي لأرقام ضخمة حول الإنفاق على القطاع الصحي، مدّعيًا أن الدولة تستثمر مليارات الجنيهات في تطوير المنظومة الصحية. لكن الواقع على الأرض يكذّب كل هذه الأرقام المضخمة، فالمواطن البسيط لا يرى من هذه المليارات المزعومة شيئًا، بل يرى مستشفيات متهالكة وأسعارًا جنونية وإهمالًا قاتلًا.
التناقض الصارخ بين ما يُقال في البيانات الرسمية وما يعيشه المواطنون يومًا بعد يوم يكشف حجم التضليل الذي تمارسه الحكومة. فبينما تتحدث عن زيادة الإنفاق الصحي بنسب مئوية ضخمة، يصرخ مواطن في قنا "الغلبان يجيب منين" عاجزًا عن دفع تكاليف علاج بسيط في مستشفى حكومي مفترض أن يكون مجانيًا.
تحويل الصحة من حق إلى سلعة
ما يحدث في مصر اليوم هو تطبيق صارخ لسياسات نيوليبرالية متوحشة تنزع عن الفقراء آخر حقوقهم الإنسانية. نظام السيسي، الذي يدّعي الحرص على المواطن، يدفع بملايين المصريين إلى الهاوية، حيث أصبح العلاج حكرًا على من يملك، والموت مصير من لا يملك.
المستشفيات الحكومية التي كانت يومًا ملجأً للفقراء، باتت اليوم أسواقًا للنهب والابتزاز. والمواطن الذي يدفع الضرائب ويكدح طوال عمره، يُحرم من حقه الدستوري في العلاج، ويُترك ليواجه مصيره وحيدًا أمام أبواب مستشفيات تحولت إلى مؤسسات تجارية همها الوحيد الربح على حساب أرواح الناس.
احتجاج ضد سياسة التجويع والإماتة
الفيديو الذي نشرته شبكة "رصد" ليس مجرد توثيق لحالة فردية، بل هو شهادة حية على إفلاس السياسات الصحية في عهد السيسي. المواطن الذي تحدث بعفوية وألم، يمثل صوت الملايين الذين يعانون صمتًا، والذين لا يجدون منبرًا للتعبير عن معاناتهم في ظل قمع إعلامي وسياسي ممنهج.
رسالته واضحة وصريحة: النظام الحاكم تخلى عن دوره الأساسي في حماية المواطنين وتوفير الحد الأدنى من الخدمات الإنسانية لهم. وحين يسأل "الغلبان يجيب منين؟"، فإنه يوجه سؤالاً مباشرًا لنظام يصرف المليارات على القصور والمشاريع الفرعونية، بينما يترك الفقراء يموتون على أبواب المستشفيات عاجزين عن دفع تكاليف علاج بسيط.
هذا هو واقع مصر اليوم تحت حكم الانقلاب: دولة تتاجر بآلام شعبها، ونظام يحول الخدمات الأساسية إلى امتيازات طبقية، ومواطنون يُتركون وحدهم ليواجهوا مصيرهم بلا رحمة ولا إنسانية

