انفجرت حالة غضب واسعة في مصر بعد اعتقال صانعي المحتوى خالد الجلاد الشهير بـ«الأكيلانس» وصديقه المعروف باسم «سلطانچي»، عقب نشرهما حلقة كشفت نتائج تحاليل معملية لعينات من مياه معبأة، قالت إنها تحتوي شوائب وملوثات تجعل مياه الصنبور المفلترة أكثر أمانًا في بعض الحالات. بدل أن ترد الدولة بتحقيق علمي شفاف، تحركت أجهزة الأمن بسرعة، في مشهد يكشف بوضوح أن حماية سمعة الشركات أهم لدى نظام السيسي من حماية صحة المصريين وحقهم في المعرفة.
حلقة المياه المعبأة: حين صار التحليل جريمة
برنامج «الأكيلانس» الذي يقدمه خالد الجلاد و«سلطانچي» اشتهر بمحتوى يعتمد على إرسال عينات من الأطعمة والمشروبات إلى معامل خاصة، وعرض النتائج للجمهور بلغة بسيطة ساخرة. في الحلقة الأخيرة عن المياه المعبأة، قدّم الثنائي نتائج تحاليل لعدة «براندات» مشهورة وُجد في بعضها مؤشرات على تلوث أو ارتفاع غير مقبول في بعض العناصر، مع مقارنة ذلك بمياه الصنبور بعد الفلترة المنزلية. الحلقة تحوّلت سريعًا إلى ترند، وأثارت أسئلة قاسية حول غياب الرقابة الحقيقية على سوق المياه المعدنية في مصر.
اعتقال خالد الجلاد و«سلطانچي»: القصة الكاملة
يُعامل اعتقال خالد الجلاد الشهير بـ(الأكيلانس)، وصديقه صانع المحتوى المعروف باسم (سلطانچي)، باعتباره نموذجًا مكتمل الأركان لكيف تستخدم حكومة الانقلاب سلاح الأمن لإسكات أي محاولة لمساءلة السوق أو فضح تواطؤ الأجهزة مع كبار المستثمرين. فمجرد نشرهما حلقة تفصيلية تُظهر نتائج تحاليل معملية لعَيِّنات من «براندات» مياه معدنية، ومقارنتها بمياه الصنبور باعتبارها أحيانًا أكثر أمانًا، كان كافيًا لأن تتحرك الداخلية بسرعة مذهلة، وتعلن القبض على الشابين من دمياط، متهمةً إياهما في بيان رسمي بـ«التشكيك في سلامة المنتجات الغذائية وإثارة البلبلة بغرض زيادة نسب المشاهدات وتحقيق مكاسب مادية»، بينما تتجاهل كليًا مضمون التحاليل والأسئلة التي أثارتها حول ما يشربه المصريون يوميًا.
بهذا النمط من التعامل يتحول صنّاع المحتوى من أداة رقابة شعبية على الشركات والسلع إلى أهداف أمنية يجري ضربها كلما اقتربوا من مناطق نفوذ اقتصادي حساسة، إذ لم تُكلّف الدولة نفسها عناء نشر اختبارات حكومية مضادة أو استدعاء معامل مستقلة للتدقيق في النتائج، بل تصرّفت وكأن المشكلة ليست احتمال تلوث المياه، بل جرأة من تجرأ على الكلام، لتكون رسالة الترهيب واضحة: أي محتوى استقصائي حقيقي خارج سقف الرواية الرسمية سيُواجَه بالاعتقال لا بالرد العلمي أو تصحيح الأوضاع.
تخيلوا قبضوا عليهم عشان كشفوا إن السيسي بيشرب اهل مصر مياه الصرف الصحي!! https://t.co/OJ4eRAFHLW
— Mohamed Ismail (@Mohamed71935373) December 1, 2025
بين دعاية «المياه الآمنة» وحقيقة ما يشربه المصريون
عقب الضجة، سارعت وزارة الصحة إلى التشكيك في التحاليل التي استندت إليها الحلقة، مؤكدة في تصريحات صحفية سلامة المنتجات المطروحة في الأسواق، لكن من دون نشر تقارير مفصلة أو أسماء البراندات أو نتائج تحاليل مضادة يمكن الرجوع إليها. هذا النمط من الرد يعيد إنتاج نفس المعضلة: خطاب رسمي مطمئن بلا شفافية بيانات، في مقابل أصوات مستقلة تُجرَّم بدل أن تُستَمع إليها، بينما يبقى المستهلك محاصرًا بين دعاية الشركات وتخويف الأجهزة الأمنية من أي محاولة لاختبار الحقيقة.
قمع ممنهج لصناع المحتوى الاستقصائي
اعتقال الأكيلانس وسلطانچي لا يمكن فصله عن سياق أوسع استهدف صحفيين ويوتيوبرز ومنصات رقمية حاولت الاقتراب من ملفات الغلاء، جودة الغذاء، أو فساد الشركات المتحالفة مع السلطة. الرسالة من نظام السيسي واضحة: التحليل والتفتيش والرقابة حق حصري لأجهزة الدولة، وأي مبادرة شعبية لكشف المستور ستُعامل كتهديد أمني. في بلد تُتهم فيه المياه المعبأة بأنها قد تحمل مخلفات صرف صحي، يصبح سجن من دق ناقوس الخطر تأكيدًا إضافيًا على أن ما يُخيف السلطة ليس مجرد تقرير معملي، بل لحظة وعي عام يمكن أن تتحول إلى مساءلة حقيقية لمن حوّل صحة المصريين إلى سوق مفتوح للربح بلا ضوابط.

