في فضيحة تاريخية غير مسبوقة، قضت المحكمة الإدارية العليا بإلغاء نتائج 29 دائرة انتخابية إضافية في المرحلة الأولى من انتخابات مجلس النواب، ليرتفع إجمالي الدوائر المبطلة إلى 48 دائرة من أصل 70، أي ما يعادل نحو 69% من إجمالي دوائر المرحلة الأولى.
هذا الرقم الصاعق يكشف بوضوح أن ما جرى لم يكن انتخابات بل عملية تزوير ممنهجة أشرف عليها نظام الانقلاب عبر "الهيئة الوطنية للانتخابات" التي ثبت فشلها الذريع في إدارة عملية نزيهة، ما دفع سياسيين وقانونيين وحقوقيين للمطالبة بإلغاء العملية الانتخابية برمتها وإعادتها من الصفر.
46 دائرة مبطلة بنسبة تتجاوز 65%
لا يزال حكم المحكمة الإدارية العليا بإلغاء الانتخابات البرلمانية في 27 دائرة فردية إضافية ضمن محافظات المرحلة الأولى يلقي بظلاله على المشهد السياسي في مصر، وسط تصاعد الدعوات المطالِبة بإبطال العملية الانتخابية كاملة، في ظل ما وُصف بتجاوزات واسعة شابت إجراءاتها ونتائجها. فبعد قرار المحكمة الإدارية قفز عدد الدوائر المبطلة نتائجها في الجولة الأولى من انتخابات مجلس النواب إلى 46 دائرة من أصل 70، وبنسبة تزيد على 65%. وأصدرت المحكمة الإدارية العليا أحكاماً موسعة ببطلان نتائج 27 دائرة فردية إضافية في محافظات المرحلة الأولى، وإعادة الانتخابات فيها، بالإضافة إلى 19 دائرة كانت الهيئة الوطنية للانتخابات قد ألغت نتائجها في وقت سابق من شهر نوفمبر الماضي.
محافظات كاملة تسقط في الفوضى
ولم تنج من بطلان نتائج المرحلة الأولى، سوى محافظات بني سويف والبحر الأحمر ومطروح، بينما طاول البطلان نتائج 4 محافظات بالكامل في صعيد مصر، هي أسيوط وسوهاج وقنا والأقصر، بالإضافة إلى جميع دوائر محافظة المنيا عدا واحدة، وعدد كبير من دوائر محافظات الجيزة والفيوم والوادي الجديد وأسوان والإسكندرية والبحيرة. هذا الانهيار الشامل يعكس حجم الفوضى والتزوير الذي رافق العملية الانتخابية تحت إشراف نظام الانقلاب، ويؤكد أن ما حدث لم يكن "أخطاء إجرائية" بل سياسة ممنهجة لفرض نتائج مسبقة الصنع.
مطالبات بإعادة الانتخابات وإسقاط الشرعية
ومع تواصل حالات إلغاء الانتخابات البرلمانية، قال رئيس حزب الجيل الديمقراطي ناجي الشهابي، إن الرقم الضخم وغير المسبوق من بطلان النتائج في انتخابات مجلس النواب يكشف بوضوح عن حجم القصور الذي أصابها، ويفتح الباب أمام أسئلة جوهرية حول مدى صحة النتائج وتوافقها مع أحكام الدستور والقانون. وأوضح الشهابي أنه لا يجوز قانوناً احتساب الأصوات التي حصلت عليها القائمة في الدوائر الملغاة. الأمر الذي لا يمنحها النسبة المطلوبة دستورياً للفوز.
خلل واضح في أداء الهيئة المسيّسة
ومن جانبه، قال عضو مجلس أمناء الحوار الوطني، عمرو هاشم ربيع، في تصريحات لموقع "العربي الجديد"، إن حجم أحكام البطلان الصادرة عن المحكمة الإدارية يعكس "خللاً واضحاً في إدارة العملية الانتخابية". وبيّن "ربيع" أن الخلل يرتبط مباشرة بأداء الهيئة الوطنية للانتخابات، التي يفترض أنها هيئة "مستقلة". لكن استقلالها "نسبي للغاية". وأضاف أن الفكرة الشائعة لسنوات، والقائمة على افتراض أن القضاء هو الأكثر نزاهة، وأن المدنيين أقل كفاءة، ثبت الآن أنها غير واقعية.
البرلمان ولد سفاحاً
أما الباحث في علم الاجتماع السياسي عمار علي حسن، فكتب على صفحته بموقع "فيسبوك"، إن بطلان انتخابات أغلب دوائر المرحلة الأولى، لم يمسّ إجراءات التصويت لنصف عدد الأعضاء من المنتخبين على نظام القائمة المغلقة، ومن ثم إعادة الانتخابات في دوائر النظام الفردي وحدها، معناه أن البرلمان ولد سفاحاً، وضرب البطلان بعض أركانه فاهتز في عيون المصريين، الذين لن يجبرهم أحد على التعامل مع مجلس النواب على محمل الجد، أو احترام ما سيصدر عنه لاحقاً من قوانين أو قرارات. وطالب الهيئة الوطنية بإعادة الانتخابات برمتها مع تمكين الشعب من إنفاذ إرادته بقانون يتيح قوائم نسبية، وامتناع الإدارة (أجهزة الدولة) عن التدخل بأي شكل من الأشكال في العملية الانتخابية، والضرب بيد من حديد على أصحاب المال السياسي.
مطالبات بتحقيق مستقل وملاحقة المتورطين
كما دعا عضو لجنة العفو الرئاسي، المحامي الحقوقي طارق العوضي، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، السيسي، إلى تشكيل هيئة وطنية مستقلة بـ"صلاحيات كاملة"، لكشف كل ما جرى في الانتخابات البرلمانية، وتحديد المسؤوليات بوضوح، ومساءلة كل من تورط أو شارك أو قصّر، أياً كان موقعه أو اسمه أو صفته، في تزييف إرادة الناخبين. هذه المطالبات تعكس حجم الغضب الشعبي والسياسي من فضيحة انتخابية لم يشهد لها التاريخ المصري مثيلاً، وتضع نظام الانقلاب أمام أزمة شرعية حقيقية بعد أن انكشف زيف ادعاءاته بـ"الديمقراطية" و"التعددية" أمام القضاء والرأي العام.

