في مشهد يثير السخرية أكثر مما يثير الشفقة، خرج رئيس وزراء الانقلاب مصطفى مدبولي أمام قمة العشرين ليتحدث عن "ضرورة مُلحّة" لإصلاح منظومة الديون العالمية، مطالباً بـ"آليات جديدة وشاملة" تراعي أوضاع الدول منخفضة ومتوسطة الدخل. ولكن ما لم يذكره مدبولي، أو تعمّد إخفاءه، هو أن حكومته هي أكبر مستدين في تاريخ مصر، وأنها أغرقت البلد في ديون تتجاوز 200 مليار دولار، بينما تنفق المليارات على قصور رئاسية وكباري استعراضية وعواصم إدارية لا يحتاجها أحد.

 

مدبولي يشبه شحّاتاً يشكو الفقر بينما جيوبه محشوة بالقروض، وعينه باجحة من كثرة الاستدانة التي لا تتوقف. الرجل يطالب بإصلاح منظومة الديون العالمية، بينما حكومته هي من تحتاج لإصلاح من الأساس، لأنها السبب الرئيسي في انهيار الاقتصاد المصري وتحويل مصر إلى دولة مدينة لا تستطيع سداد فوائد ديونها.

 

"ضرورة مُلحّة" لإصلاح الديون: الحل أم الهروب من المحاسبة؟

 

مدبولي يتحدث عن "ضرورة مُلحّة" لإصلاح منظومة الديون العالمية، وكأن المشكلة في النظام الدولي وليست في سوء الإدارة والفساد والإنفاق المسرف الذي تمارسه حكومته. الحقيقة أن مصر لا تحتاج إلى إصلاح منظومة الديون العالمية، بل تحتاج إلى إصلاح حكومتها التي تستدين لتبني قصوراً وكباري ومدناً جديدة، بينما الشعب يعاني من الفقر والبطالة والتضخم.

 

"إصلاح منظومة الديون" هو شعار يستخدمه مدبولي للـهروب من المحاسبة على فشله في إدارة الاقتصاد. فبدلاً من الاعتراف بأن حكومته أغرقت مصر في ديون لا يمكن سدادها، يحاول إلقاء اللوم على النظام الدولي ويطالب بـتخفيف عبء الديون على الدول منخفضة ومتوسطة الدخل، وكأن مصر أصبحت دولة فقيرة بسبب النظام الدولي وليس بسبب سياسات حكومته الفاشلة.

 

200 مليار دولار ديون: أين ذهبت؟

 

الدين الخارجي المصري تجاوز 200 مليار دولار، بعد أن كان أقل من 50 مليار دولار قبل انقلاب 2013. هذا يعني أن حكومة السيسي اقترضت أكثر من 150 مليار دولار في 12 عاماً فقط. السؤال المشروع: أين ذهبت هذه الأموال؟

 

الإجابة واضحة لكل من يعيش في مصر:

 

  • قصور رئاسية بالعشرات، كل واحد منها يكلف مليارات الجنيهات
  • كباري استعراضية لا تحل أزمة المرور بل تزيدها تعقيداً
  • العاصمة الإدارية الجديدة التي تكلف أكثر من 60 مليار دولار ولم ينتقل إليها أحد
  • مدن جديدة في الصحراء بلا سكان ولا خدمات
  • مشروعات استعراضية لا تخدم المواطن البسيط

 

بينما الشعب يعاني من:

 

  • تضخم يتجاوز 30%
  • أسعار جنونية للسلع الأساسية
  • رواتب لا تكفي لشراء الخبز
  • بطالة متفشية
  • انهيار الخدمات الصحية والتعليمية

 

"آليات جديدة" لمراعاة الدول الفقيرة: نحن أصبحنا فقراء بفضلكم

 

مدبولي يطالب بـ*"آليات جديدة وشاملة" تراعي أوضاع الدول منخفضة ومتوسطة الدخل. هذا يعني أن مصر، التي كانت من الدول المتوسطة الدخل، أصبحت الآن تصنف نفسها ضمن الدول الفقيرة التي تحتاج إلى معاملة خاصة في التعامل مع الديون.

 

هذا اعتراف صريح بـالفشل الذريع لحكومة الانقلاب في إدارة الاقتصاد. فمصر التي كانت دولة متوسطة الدخل قبل 2013، أصبحت الآن تتسول على أبواب المؤسسات الدولية وتطالب بـمعاملة الدول الفقيرة.

 

صندوق النقد: شريك في الجريمة أم ضحية للخداع؟

 

صندوق النقد الدولي منح مصر قروضاً تتجاوز 20 مليار دولار، مقابل إصلاحات اقتصادية وعدت الحكومة بتنفيذها. لكن الواقع يقول إن معظم هذه الإصلاحات لم تُنفذ، أو نُفذت بشكل يضر بالمواطن دون أن يُصلح الاقتصاد.

 

صندوق النقد إما أنه شريك في الجريمة، بإقراضه حكومة فاشلة أموالاً تُنفق على مشروعات غير إنتاجية، أو أنه ضحية لـخداع حكومة تعد ولا تفي، تقترض ولا تسدد، تصرف على القصور وتترك الشعب يعاني.
الحل ليس في "إصلاح منظومة الديون" بل في إصلاح الحكومة

 

مدبولي يطالب بإصلاح منظومة الديون العالمية، لكن الحل الحقيقي ليس هناك، بل في إصلاح حكومته أولاً. مصر لا تحتاج إلى تخفيف عبء الديون، بل تحتاج إلى:

 

- وقف الإنفاق المسرف على القصور والكباري والمدن الجديدة

- توجيه الموارد إلى مشروعات إنتاجية تُدرّ دخلاً

- محاربة الفساد الذي ينهب المليارات

- تحسين الخدمات الصحية والتعليمية

- رفع الحد الأدنى للأجور إلى مستوى يليق بالإنسان

- دعم الصناعة والزراعة بدلاً من الاعتماد على الاستيراد

لكن كل هذا لن يحدث في ظل حكومة همها الأوحد بناء القصور والكباري وتلميع صورة نظام فاشل على حساب الشعب.

 

قمة العشرين: مسرح لاستجداء الإعفاء من الديون

 

قمة العشرين أصبحت بالنسبة لـمدبولي مسرحاً لـاستجداء الإعفاء من الديون أو تخفيف عبئها، بدلاً من أن تكون فرصة لعرض إنجازات اقتصادية أو خطط تنموية حقيقية. مدبولي لا يملك إنجازات يعرضها، فاختار أن يستجدي ويشكو ويطالب بـمعاملة خاصة لمصر، وكأن مصر دولة فقيرة لا تستطيع الاعتماد على نفسها.

 

شحّات لن يتوقف عن الاستدانة

 

مصطفى مدبولي أمام قمة العشرين يُمثل نموذجاً لحكومة فاشلة أغرقت بلدها في الديون، ثم خرجت تشكو وتطالب بـإصلاح منظومة الديون العالمية، بدلاً من إصلاح نفسها. الرجل شحّات ، ويستدين بلا توقف، ويهدرها على القصور والكباري، ثم يطالب بالإعفاء من الديون.