تشهد أسعار مواد البناء في مصر، وعلى رأسها الحديد والأسمنت، حالة من الفوضى الصريحة والتقلبات العنيفة، في ظل صمت رسمي مستمر من حكومة الانقلاب، التي يبدو أنها فقدت السيطرة تمامًا على السوق.

 

الارتفاعات المفاجئة، والتفاوت بين الأسعار الرسمية والمعلنة من جهة، وأسعار البيع الحقيقية لدى التجار من جهة أخرى، تؤكد أن السوق بات يُدار بـ"مزاج" المستثمرين، لا وفق سياسات دولة أو رقابة حقيقية.

 

في الوقت الذي يبحث فيه المواطن عن بارقة أمل لبناء شقة، أو ترميم منزل، أو استكمال مشروع بسيط، تفاجئه أسعار الحديد التي تقفز بمعدلات جنونية يومًا بعد يوم، بينما يتلاعب كبار التجار بسعر الأسمنت، ما يجعل الحلم المستحيل أكثر استحالة.

 

الحديد يقفز فوق الـ40 ألف جنيه: من المستفيد؟

 

سجّلت أسعار الحديد اليوم، الأحد، قفزة مفاجئة جديدة.

 

بحسب بوابة الأسعار المحلية التابعة لـ"مجلس وزراء الانقلاب"، وصل:

 

- متوسط سعر طن الحديد الاستثماري إلى 38,509 جنيهًا، بزيادة 1,509 جنيهًا عن الأمس.

 

- حديد عز قفز إلى 40,253 جنيهًا للطن، بزيادة 1,598 جنيهًا.

 

وهذه القفزات لا تعكس أي تغيّرات منطقية في السوق العالمية أو تكاليف الإنتاج المحلية، بل هي نتيجة غياب الرقابة، والتواطؤ الضمني من الدولة مع كبار المحتكرين.

 

ففي بلد يُفترض أنه يملك صناعات حديد استراتيجية، تُفرض على المواطن أسعار تُضاهي أو تفوق أسعار الدول المستوردة، دون دعم، ولا حماية، ولا توازن في العرض والطلب.

 

أسعار الشركات الأخرى: التفاوت يفضح غياب العدالة

 

سجّلت بقية الشركات تفاوتات غريبة وغير مفهومة:

 

- حديد بشاي: 38,500 جنيه

 

- حديد المصريين: 38,000 جنيه

 

- حديد المراكبي: 37,500 جنيه

 

- حديد العتال: 37,400 جنيه

 

- حديد عطية: 34,000 جنيه

 

- حديد العشري: 36,200 جنيه

 

فوارق الأسعار تصل إلى 6,000 جنيه بين شركة وأخرى، وهو ما يكشف حجم التلاعب، وغياب معايير موحدة، وافتقاد السوق للشفافية، في ظل صمت وزارة التموين، ووزارة الصناعة، ومجلس الوزراء.

 

كما تشير التقارير إلى أن أسعار البيع للمستهلك النهائي تزيد من 500 إلى 1,000 جنيه في بعض المناطق، وهو ما يُعد استغلالًا صريحًا للفوضى الناتجة عن ضعف الدولة.

 

تراجع طفيف في الأسمنت: مسكّن مؤقت لتغطية فوضى الحديد

 

في المقابل، شهدت أسعار الأسمنت تراجعًا طفيفًا، لا يُعوّل عليه كثيرًا في ظل تذبذب السوق اليومي:

 

- أسمنت حلوان: 3,835 جنيهًا (تراجع 242 جنيهًا)

 

- الرمادي: 3,887 جنيهًا (تراجع 33 جنيهًا)

 

- السويدي: 3,650 جنيهًا

 

- الفهد: 3,350 جنيهًا

 

- التعمير: 3,350 جنيهًا

 

- السويس: 3,450 جنيهًا

 

ورغم هذا التراجع الطفيف، فإن الأسعار لا تزال أعلى بكثير من مستوياتها قبل عامين، وسط تبريرات واهية تتعلق بتكلفة الإنتاج، بينما تُترك مصانع الأسمنت الكبرى تتحكم في السوق كيفما شاءت.

 

حكومة الانقلاب: عاجزة، متواطئة، أم متجاهلة؟

 


الارتفاع المستمر في أسعار مواد البناء لم يعد مجرد أزمة اقتصادية، بل كارثة اجتماعية تهدد استقرار الطبقة الوسطى، وتُقبر أحلام الملايين في السكن والبناء والعمل.

 

ومع ذلك، لا صوت ولا رد فعل من حكومة الانقلاب.

 

لا خطط لضبط السوق، لا رقابة على التسعير، لا تدخل لإعادة التوازن.

 

بل على العكس، تُترك الشركات الكبرى لتعيث في السوق فسادًا، في مشهد يعكس أن الدولة إما عاجزة، أو متواطئة، أو ببساطة لا تعبأ بالمواطن على الإطلاق.

 

أين الإنتاج المحلي؟ وأين الدعم المزعوم؟

 

لطالما صدّرت الحكومة شعارات عن "الإنتاج المحلي" و"الصناعة الوطنية"، لكن ما يحدث في قطاع مواد البناء يكشف أن هذه أكاذيب مفضوحة.

 

فشركات الحديد والأسمنت، التي تحصل على الغاز المدعوم والطاقة بأسعار ميسرة، لا تقدم شيئًا للمواطن، بل تبيع بالسعر العالمي أو أعلى، دون أي التزام بالمسؤولية الاجتماعية، أو دور تنموي حقيقي.

 

المواطن رهينة سوق بلا دولة

 

في ظل هذا الجنون في الأسعار، يدفع المواطن الثمن وحده، بينما تُحكم القبضة الأمنية على كل صوت يُطالب بالعدالة الاقتصادية أو الرقابة على السوق.

 

أصبحنا أمام حكومة لا تحكم السوق، ولا تحمي المواطن، ولا تملك حتى شجاعة الاعتراف بفشلها.

 

فهل من يوقف هذه الفوضى؟ أم أن المواطن سيُترك وحيدًا، يواجه نار الأسعار، وخراب السياسات، وصمت السلطة؟