في الوقت الذي ترفض فيه مصر الإجراءات الأحادية من جانب إثيوبيا على نهر النيل، عدد تقرير نشره موقع "بيرميتريكس" الإخباري، أبرز الفوائد والمزايا التي ستجنيها إثيوبيا من وراء تشيد سد النهضة على النيل الأزرق، قائلاً إنه يمثل للعديد من الإثيوبيين، ليس مجرد محطة للطاقة الكهرومائية، بل رمزًا للسيادة.
ويصفه آدم كامل، وهو مناصر بارز لبناء السد الإثيوبي، بأنه "أداة استراتيجية" للتحول الاقتصادي والصعود الجيوسياسي لإثيوبيا، مشبهًا إياه بـ"الطاقة النووية" الإثيوبية والذي يُمكن أن يضمن للبلاد التفوق على منافستها الشمالية، في إشارة إلى مصر.
ويشير إلى العلاقات الاقتصادية الوثيقة بين مصر والسعودية: إذ تعمل حوالي 7000 شركة سعودية هناك، باستثمارات تتجاوز 35 مليار دولار. ويقول إن القاهرة تخشى أن تجذب الطاقة الإثيوبية الأرخص ووفرة الأيدي العاملة هؤلاء المستثمرين نحو الجنوب بمجرد أن تعمل التوربينات بكامل طاقتها.
ويدفع الخبراء في إثيوبيا بأنه إذا تم تسخير المشروع بشكل صحيح، فقد يدعم التوسع الصناعي، ويعزز صادرات الوقود، ويعزز الاستقرار المالي، مع منح أديس أبابا نفوذًا على جيرانها.
تراجع الدور الإقليمي لمصر
ويقول السياسيون الإثيوبيون إن دور مصر القيادي في دبلوماسية الشرق الأوسط قد تراجع. فبعد أن كانت منارةً للشرق الأوسط، تبدو سياستها الخارجية الآن "أنانيةً بحتة". حتى أن وساطتها في الصراع بين غزة و"إسرائيل" أزعجت حلفاءها العرب.
ويزعمون بأن القوى الإقليمية بدأت تنظر إلى إثيوبيا كشريك اقتصادي أكثر موثوقية، وقوة سياسية صاعدة.
ويؤكد الاقتصاديون أن توليد تتجاوز 5000 ميجاواط، سيجعل سد النهضة الإثيوبي يوفر طاقة وفيرة ومنخفضة التكلفة، وهو ما من شأنه أن يخفض تكاليف الإنتاج ويدعم التصنيع.
يقول جيتاتشو تيكليماريام، محلل سياسات: "الطاقة عامل اقتصادي بالغ الأهمية على الصعيدين المحلي والإقليمي"، مشيرًا إلى أن السد سيدعم منطقة اقتصادية إقليمية، مما يضمن تزويد المصانع والمراكز التجارية بكهرباء ثابتة.
مع ذلك، لا تقتصر الكهرباء على النمو فحسب، بل تشمل أيضًا النفوذ. يقول ميكياس مولوجيتا، المستشار المالي: "التجارة الدولية لا تقتصر أبدًا على التجارة. حتى الدول الأصغر حجمًا يمكنها التفاوض مع الدول الأكبر، مستفيدةً من مكاسب تتجاوز مجرد المكاسب المالية".
وفقًا للتقرير، فإنه يتعين على إثيوبيا، في سعيها لتصدير الكهرباء، أن توازن طموحاتها مع الحساسيات الإقليمية. قد يكتمل بناء السد، لكن لا تزال هناك حاجة إلى خطوط نقل وروابط صناعية وشبكات كهرباء عابرة للحدود قبل أن تتحول الطاقة الكهرومائية إلى مصدر رخاء.
قوة تفاوضية
فيما يقول السياسيون، إن السيطرة على تدفق النيل تمنح قوة تفاوضية. وعلق أحدهم قائلاً: "حتى لو لم يُنتج سد النهضة وحدة كهرباء واحدة، فسيظل ورقة تفاوضية رئيسة مع مصر".
مع ذلك، يحذرون من أنه على الرغم من أن اكتمال السد قد يُعزز مساعي إثيوبيا لاستعادة الوصول إلى ميناء، إلا أن الطريق لا يزال شاقًا. وتحتفظ دول أخرى في المنطقة بقوة تفاوضية كبيرة، وهي عقبة تبدو إثيوبيا عازمة على تجاوزها.
نقاط الضعف في إثيوبيا
من جهته، يقول الدكتور إبراهيم هيمانوت، رئيس حزب الشعب الثوري الإثيوبي، إن إثيوبيا فشلت طويلًا في تحويل مواردها الوفيرة إلى ميزة استراتيجية. وأضاف أنه منذ فقدان ميناء عصب، أدت الضغوط الخارجية والتشرذم الداخلي إلى تقليص نفوذ البلاد الإقليمي.
وحذر قائلاً: "أخشى أن تستغل مصر نقاط الضعف الاقتصادية والسياسية الحالية في إثيوبيا، مكررةً أخطاء الماضي". ولتجنب ذلك، دعا إلى حوار وطني حقيقي، ويحثّ جماعات المعارضة على تغليب السيادة على المصالح قصيرة الأجل، وحذر من التدخلات الخارجية.
واعتبر التقرير، أن التحذير يعكس قلقًا أوسع نطاقًا بشأن موقف إثيوبيا. ويزيد توتر العلاقات مع جيرانها من هذه الصعوبة، مما يعرض البلاد للخطر.
يقول إبراهيم: "على الحكومة إعادة النظر في سياستها الخارجية، وعلى المواطنين التكاتف لحماية الوطن".
دبلوماسية أكثر حذرًا مع إثيوبيا
يتفق البروفيسور آدم مع هذا الرأي، مشيرًا إلى أن مصر، التي تخشى فرض المزيد من القيود على مياه النيل، بدأت بالفعل في اتباع دبلوماسية أكثر حذرًا مع إثيوبيا.
وأضاف أن ضعف إثيوبيا لا يكمن فقط في نقص الطاقة، بل أيضًا في قدرتها المحدودة على إيصال قضيتها إلى العالم العربي، نظرًا لندرة الدبلوماسيين والصحفيين الناطقين بالعربية.
ويرى التقرير، أن السد يمنح إثيوبيا رافعةً حرمتها منها جغرافيتها غير الساحلية. إذا استُغلّ السد كما ينبغي، فقد يُغذي الصناعة، ويعزز التصنيع الزراعي، ويضمن صادرات الكهرباء الإقليمية، مما يُحسّن الوضع المالي والميزان التجاري.
وقال إنه بفضل شباب سكانها ومواردها الطبيعية، تمتلك إثيوبيا المقومات اللازمة لتصبح مركزًا إقليميًا. ويعتمد نجاحها على قدرتها على الجمع بين الطاقة والاستراتيجية، أكثر من اعتمادها على ارتفاع جدران السد، وتحويل الإمكانات الكامنة إلى نفوذ حقيقي.

