يُقدّم الدكتور عمر عبيد حسنة في مقدمة كتاب «الإسلام وهموم الناس» للأستاذ أحمد عبادي، رؤية عميقة حول جوهر الرسالة المحمدية التي نزلت لتعيد للإنسان إنسانيته، وتربطه بخالقه من خلال فهم واقعي لمعاناته اليومية. فالرسول صلى الله عليه وسلم عاش حياة الناس بكل تفاصيلها: يتمًا وفقراً، وشقاءً في العمل، وتحدياتٍ في البيئة والمجتمع، فكان من رحم المعاناة مؤهلاً لحمل الرسالة، وليكون نبيًّا منقذًا ونموذجًا للتغيير والإصلاح.
ومن خلال هذا المنطلق الإنساني، يؤكد الكاتب أن الدين لم يأتِ ليُعزل عن حياة الناس، أو ليكون طقوسًا فردية في الضمير، بل جاء ليقيم حياة طيبة، ويواجه الظلم، ويحرر الإنسان من عبودية البشر إلى عبادة الله وحده، ويعيد صياغة الوعي الإيماني والاجتماعي بما يحقق العدالة والكرامة الإنسانية.
الرسول الإنسان.. تجسيد للرحمة والقدوة
لقد جسّد النبي صلى الله عليه وسلم معاناة الإنسان في مراحل حياته كافة، من الطفولة إلى الشيخوخة، فاختبر الفقر والجوع والعمل الشاق، ليكون رسولا من الناس وإليهم.
قال تعالى: "هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين" (الجمعة: 2).
ومن ثمّ جاءت رسالته متصلة بواقع الناس وهمومهم، لا منفصلة عنهم، فكان انتصاره الدائم للفقراء والمحتاجين، ودعاؤه المتواضع: "اللهم أحيني مسكينًا، وأمتني مسكينًا، واحشرني في زمرة المساكين."
الدين للحياة.. لا للعزلة والانفصال
يرى الكاتب أن الدين رسالة حياة، وأن الإسلام لم يكن يومًا انعزالًا عن مشكلات الناس، بل جاء لينظم حياتهم في المعاش والمعاد معًا.
قال تعالى: "من عمل صالحًا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة" (النحل: 97).
أما الإعراض عن الدين فهو سقوط لإنسانية الإنسان، وسبب لحياة الضنك: "ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكًا ونحشره يوم القيامة أعمى" (طه: 124).
ومن هنا، فإن محاولات عزل الدين عن الحياة أو اختزاله في شعائر فردية تمثل مؤامرة على جوهر الإنسان نفسه، لأنها تعيد إنتاج العبودية للبشر بدلاً من عبودية الله.
العلمنة الخفية.. حين يُفرغ التدين من جوهره
يشير الدكتور حسنة إلى خطورة ما يسميه العلمنة الذاتية للإسلام، أي عندما يقوم بعض المتدينين أنفسهم بعزل الدين عن الواقع الاجتماعي والسياسي، فيتحول إلى طقوس شكلية بلا أثر. هؤلاء يظنون أن التدين هو صلاة وصوم وزكاة فقط، بينما يغيب عنهم أن الدين تكليف بإصلاح الحياة ومجاهدة الظلم ومناصرة المظلومين.
ويؤكد أن الإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم هو دين مقاومةٍ للظلم، لا استسلام له.
"سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله."
فليس المقصود القتل لذاته، بل الشهادة في سبيل كلمة الحق التي تُوقظ الأمة وتفضح الظالمين.
الإسلام واسترداد إنسانية الإنسان
يؤكد الكاتب أن جوهر النبوة في التاريخ هو تحرير الإنسان من كل أشكال الاستعباد المادي والفكري. فالنبوة ليست فلسفة نظرية، بل حركة تغيير شاملة، تجمع بين الإيمان والعمل، والشعار والشعيرة، وتستهدف إعادة التوازن بين الروح والجسد، والدنيا والآخرة.
فقد جاءت الرسالة لتخرج الإنسان من: عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن جور الأديان الوضعية إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة.
بهذه الروح الإنسانية، كان الدين مشروع حياة كريمة، لا مشروع انعزالٍ في الزوايا، أو انسحابٍ من قضايا الناس ومشكلاتهم.
مسؤولية الأمة في استرداد الوعي
يخلص الدكتور حسنة إلى أن أزمة الأمة اليوم ليست في نقص الشعائر، بل في غياب الفهم العميق لوظيفة الدين، وانفصال التدين عن واقع الناس. فالدين ليس هروبًا من الحياة، بل مواجهةٌ لها بقيم الحق والعدل.
إن إعادة الوعي برسالة الإسلام الحقيقية، وربطها بهموم الناس ومعاناتهم، هو الطريق إلى تجديد أمر الدين واستعادة إنسانية الإنسان، كما أرادها الله وكما جسّدها رسوله صلى الله عليه وسلم.

