أثار تعليق أستاذ العلوم السياسية الدكتور مأمون فندي، الذي نُشر على منصة "إكس" (تويتر سابقاً)، حول حفل افتتاح المتحف المصري الكبير جدلاً واسعاً. جاء التعليق في سياق تساؤل ساخر عن مستوى الحضور الأجنبي الرفيع في الحفل، حيث قال: "من الضيوف الذين يسلمون على السيسي وزوجته؟ ولا أنا بتفرح على عرض تاني؟ حد يقول لنا؟". يعكس هذا التساؤل نقداً ضمنياً للتمثيل الدبلوماسي الأجنبي في حدث اعتبرته مصر "حدثاً تاريخياً" و"أسطورياً"، ويسلط الضوء على التباين بين التوقعات الرسمية والواقع الذي رآه البعض. يهدف هذا التقرير إلى تحليل تعليق فندي في ضوء المعلومات الرسمية والمقارنات التاريخية للأحداث الكبرى.

 

 

سياق الحدث والتعليق

 

افتُتح المتحف المصري الكبير في الأول من نوفمبر 2025، وهو مشروع ضخم طال انتظاره، ويُعد أكبر متحف في العالم مخصص لحضارة واحدة. كان الافتتاح مناسبة ذات أهمية ثقافية وتاريخية وسياسية لمصر، وتطلبت استضافة هذا الحدث حضوراً دولياً يعكس مكانة مصر وحضارتها.

 

جاء تعليق الدكتور فندي ليشكك في مدى "رفعة" هذا الحضور. ففي العرف الدبلوماسي، يُنظر إلى حضور رؤساء الدول والملوك كدليل على الأهمية القصوى للحدث والعلاقات الثنائية القوية. وقد أشار فندي إلى غياب "عدد كبير من الرؤساء والمسؤولين الأجانب"، مما يوحي بأن التمثيل لم يكن على المستوى المأمول أو المتوقع لمثل هذا الحدث العالمي.

 

التحليل الموضوعي للحضور

 

بالنظر إلى البيانات الرسمية التي أعلنتها السلطات المصرية ووسائل الإعلام الدولية، فإن الصورة تبدو أكثر تعقيداً مما يوحي به التعليق. فقد أعلنت مصر مشاركة 79 وفداً رسمياً من مختلف الدول. والأهم من ذلك، أن 39 وفداً من هذه الوفود كان يترأسها ملوك، أمراء، رؤساء دول، أو رؤساء حكومات.

 

شملت قائمة الحضور رؤساء دول من المنطقة والعالم، ورؤساء وزراء من دول أوروبية مهمة مثل اليونان، بلجيكا، وهولندا، بالإضافة إلى ممثلين رفيعي المستوى من دول كبرى أخرى. هذا العدد من الوفود رفيعة المستوى، خاصة 39 وفداً برئاسة قادة، لا يمكن اعتباره "غياباً" شاملاً. بل إنه يعكس جهداً دبلوماسياً كبيراً وتواجداً دولياً لا يستهان به، خاصة في ظل الأجندات الدولية المزدحمة.

 

مقارنة مع أحداث دولية مماثلة

 

لتقييم دقة تعليق فندي، يجب مقارنة هذا الحضور بأحداث دولية مماثلة. في العادة، لا يتوقع أن يحضر جميع قادة العالم حدثاً غير سياسي بطبيعته، مهما كانت أهميته الثقافية. على سبيل المثال، نادراً ما يحضر رؤساء الدول الكبرى (مثل الولايات المتحدة، فرنسا، ألمانيا، أو بريطانيا) حفلات افتتاح المتاحف أو المشاريع الثقافية، بل يكتفون بإرسال ممثلين رفيعي المستوى (مثل وزراء الخارجية أو الثقافة أو نواب الرئيس).

 

وبالتالي، فإن غياب قادة الدول الكبرى عن الحفل لا يعني بالضرورة فشلاً دبلوماسياً، بل قد يكون أمراً متوقعاً. ومع ذلك، فإن تعليق فندي يركز على "الغياب" كأداة نقد سياسي، مستخدماً معياراً ضمنياً للحضور (وهو حضور القادة الأكثر تأثيراً عالمياً) لتقييم الحدث.

 

الدلالات السياسية للتعليق

 

يحمل تعليق فندي دلالات سياسية أعمق تتجاوز مجرد إحصاء عدد الضيوف. فالتساؤل الساخر "ولا أنا بتفرح على عرض تاني؟" يشير إلى أن الحفل، على الرغم من فخامته، قد يكون مجرد "عرض" داخلي أو محاولة لتعزيز الشرعية أو الصورة الذاتية للنظام، بدلاً من أن يكون احتفالاً عالمياً حقيقياً.

 

كما أن التركيز على "الضيوف الذين يسلمون على السيسي وزوجته" يلامس نقطة حساسة تتعلق بالبروتوكول الدبلوماسي ومكانة القادة الحاضرين. فإذا كان الحضور يقتصر على قادة دول صغيرة أو ذات أهمية إقليمية محدودة، فإن ذلك قد يقلل من القيمة الرمزية للحدث في نظر النقاد.

 

يمثل تعليق الدكتور مأمون فندي نقداً سياسياً لاذعاً وموجهاً، يستخدم التساؤل عن الحضور الأجنبي كمدخل للتشكيك في المكانة الدولية الحالية لمصر وقدرتها على استقطاب القادة العالميين لأحداثها الكبرى. ورغم أن الأرقام الرسمية تشير إلى حضور 79 وفداً، من بينها 39 وفداً برئاسة قادة، فإن النقد يظل قائماً على نوعية هذا الحضور ومقارنته بالتوقعات غير المعلنة لحدث بهذا الحجم.