في خضم الاحتفالات بافتتاح المتحف المصري الكبير، أثار الداعية السلفي المعروف، مصطفى العدوي، موجة واسعة من الجدل بتصريحاته التي حذّر فيها من "الفتنة" التي قد تصيب المسلمين بسبب الافتخار بآثار الفراعنة. العدوي، في مقطع فيديو مطول، لم يكتفِ بالتحذير من الافتتان بتمثال رمسيس والكنوز الفرعونية، بل ذهب إلى حد التبرؤ من شخصية فرعون ووصفه بـ "اللئيم الطاغي الباغي الملعون"، داعيًا إلى أن تكون زيارة المتحف على سبيل الاتعاظ لا الافتخار.

 

الفتوى تعيد النقاش القديم حول العلاقة بين الهوية المصرية وتراثها الفرعوني. التحذير من "الفتنة بفرعون وآله" العدوي شدد في فتواه على أن "الفتن تمر بنا"، معربًا عن خشيته على "قلب مسلم أن يتلوث بمحبة فرعون وآله".

 

وأضاف العدوي: «أخشى على المصريين أن يفتنوا بتمثال رمسيس، فالآن المتحف المصري الكبير يضم الأصنام والتماثيل والكنوز التي كانت عند الفراعنة وطرائق التحنيط». هذا الربط بين الآثار الفرعونية و"الأصنام" يعكس رؤية سلفية ترى في التماثيل والآثار رموزًا للشرك، حتى لو كانت جزءًا من تاريخ وطني.

 

الاتعاظ لا الافتخار

 

دعوة للتبرؤ من الطغاة لم يكتفِ الداعية بالتحذير من الافتتان، بل قدم رؤية بديلة للتعامل مع هذا التراث. فبعد أن وصف فرعون بـ "اللئيم الطاغي الباغي الملعون"، دعا العدوي إلى أن تكون نية من يدخل المتحف على سبيل الاتعاظ، لا الافتخار بكفرة أهلكهم الله. واستشهد العدوي بالآية الكريمة: «قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ»، ليؤكد أن الهدف من رؤية آثار الطغاة هو أخذ العبرة من نهايتهم، وليس التمجيد لحضارتهم. هذا التفسير يهدف إلى تحويل المتحف من صرح للاعتزاز الوطني إلى مكان للتأمل الديني في مصير الظالمين.

 

الهوية المصرية بين التراث والدين

 

تطرق العدوي إلى مسألة الهوية والتبرؤ من فرعون، مشددًا على أنه "حري بالمصريين أن يتبرأوا من شخص ادعى الألوهية فقال (أنا ربكم الأعلى)". وأوضح أن هذا التبرؤ يجب أن يشمل كل كافر، سواء كان فرعون موسى أو غيره من حكام مصر.

 

 

هذا الموقف يعيد إلى الواجهة الصراع القديم بين تيارين: تيار يرى في الحضارة الفرعونية جزءًا أصيلاً من الهوية المصرية يجب الاحتفاء به، وتيار ديني يرى في هذا التراث بقايا جاهلية يجب التعامل معها بحذر شديد، بل والتبرؤ منها. فتوى العدوي تضع المصريين أمام خيار صعب بين الاعتزاز بتاريخهم القديم والالتزام بتفسير ديني يرى في هذا التاريخ مصدرًا للفتنة.

 

الجدل الدائر

 

صراع بين الثقافة والعقيدة أثارت تصريحات العدوي ردود فعل متباينة، حيث أيّدها البعض من أتباع التيار السلفي، بينما انتقدها بشدة مثقفون وأثريون يرون فيها محاولة لتشويه التاريخ المصري وتهميش دوره الحضاري. يرى المنتقدون أن المتحف المصري الكبير هو صرح ثقافي وعلمي يهدف إلى حفظ وعرض تاريخ البشرية، وليس مكانًا للعبادة أو الافتتان العقائدي.

 

ويؤكدون أن الآثار الفرعونية هي جزء لا يتجزأ من الهوية الوطنية المصرية، وأن الدعوة إلى التبرؤ منها هي دعوة إلى الانفصال عن جزء أصيل من تاريخ البلاد. هذا الجدل يكشف عن استمرار التوتر بين المؤسسات الثقافية والدينية في مصر حول كيفية التعامل مع التراث الفرعوني في العصر الحديث.

 

وفي النهاية تظل فتوى الداعية مصطفى العدوي حول المتحف المصري الكبير نقطة محورية في النقاش الدائر حول الهوية المصرية. فبينما تسعى الدولة لترويج المتحف كرمز للقوة الناعمة والجاذبية السياحية، تأتي هذه الأصوات الدينية لتحذر من "الفتنة" و"تلوث القلب" بمحبة فرعون. هذا التباين يعكس تحديًا حقيقيًا يواجه المجتمع المصري في الموازنة بين الاعتزاز بتراثه القديم والالتزام بتفسيرات دينية ترى في هذا التراث مصدرًا للتحذير والاتعاظ لا الافتخار.