شهدت منطقة الكاريبي تصعيدًا في التوتر الدبلوماسي والعسكري بين فنزويلا والولايات المتحدة الأمريكية، على خلفية التحركات العسكرية الأمريكية الأخيرة في المنطقة. ففي الوقت الذي تبرر فيه واشنطن نشر سفنها وغواصاتها بأنه جزء من جهود مكافحة الاتجار الدولي بالمخدرات، يرى الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو أن هذه التحركات ما هي إلا غطاء لمخطط أوسع يهدف إلى تغيير النظام والسيطرة على الثروات الطبيعية الهائلة التي تمتلكها بلاده. هذا التقرير يستعرض الاتهامات المتبادلة والمواقف المتضاربة التي تعكس عمق الأزمة بين البلدين.

 

مادورو: الثروة النفطية هي الهدف الحقيقي

 

في كلمة ألقاها بالعاصمة كراكاس، وجه الرئيس مادورو اتهامات مباشرة للولايات المتحدة، مؤكدًا أن السبب الحقيقي وراء استهداف بلاده ليس سوى ثرواتها الطبيعية. وشدد مادورو على أن فنزويلا تمتلك أكبر احتياطي نفطي في العالم، بالإضافة إلى كونها رابع أكبر احتياطي للغاز الطبيعي، وتمتلك 30 مليون هكتار من الأراضي الصالحة للزراعة، فضلاً عن موقعها الاستراتيجي.

 

"يستهدفوننا لأننا نمتلك أكبر احتياطي نفطي في العالم، لو لم تكن لدينا 30 مليون هكتار من الأراضي الصالحة للزراعة، ولم نكن في موقع استراتيجي، ولم نمتلك أكبر احتياطي نفطي ورابع أكبر احتياطي من الغاز الطبيعي في العالم، ربما كانوا لن يذكروا اسم فنزويلا حتى."

 

واتهم مادورو واشنطن باستخدام وسائل الإعلام الدولية لـ "التلاعب بالرأي العام" و"فرض رواية تبرر شن حرب ضد فنزويلا". وأشار إلى أن الهدف النهائي هو "تغيير النظام، ونهب ثروات البلاد الطبيعية الهائلة"، مؤكداً أن الخطاب الأمريكي ضد بلاده "مليء بالافتراءات" وأن فنزويلا "بريئة" من التهم الموجهة إليها.

 

واشنطن تنفي وتصعد حملة مكافحة المخدرات

 

في المقابل، نفى وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو (حسب ما ورد في النص) ادعاءات استعداد بلاده لشن هجوم على فنزويلا. وفي تدوينة عبر منصة "إكس"، رد روبيو على تقرير نشرته صحيفة "ميامي هيرالد" بهذا الخصوص، متهمًا مصادر الصحيفة بأنها "خدعتكم، وجعلتكم تنشرون خبرا كاذبا".

 

تأتي هذه التحركات العسكرية الأمريكية في إطار أمر تنفيذي أصدره الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في أغسطس الماضي، يقضي بزيادة استخدام الجيش لمكافحة عصابات المخدرات في أمريكا اللاتينية. وقد أعلنت واشنطن إرسال سفن حربية وغواصة إلى منطقة البحر الكاريبي لهذا الغرض.

 

في سياق متصل، وجهت واشنطن اتهامات مباشرة للرئيس مادورو بـ "إدارة شبكة تهريب مخدرات"، وضاعفت قيمة المكافأة المالية لمن يقدم معلومات تؤدي إلى اعتقاله إلى 50 مليون دولار. هذه الإجراءات تضع مادورو في قلب حملة الضغط الأمريكية، وتحول قضية مكافحة المخدرات إلى أداة ضغط سياسي وعسكري.

 

دعوة للتضامن والاستعداد لـ "الكفاح المسلح"

 

في مواجهة ما وصفه بـ "التهديد" المتمثل في نشر 8 سفن أمريكية وغواصة قرب فنزويلا، أكد مادورو أن بلاده مستعدة "للكفاح المسلح للدفاع عن أراضيها الوطنية". وشدد على أن الشعب الفنزويلي يريد العيش بسلام وحل مشاكله في إطار الاستقلال والسيادة الوطنية.

 

كما وجه مادورو نداءً لدول المنطقة، داعيًا إياها للتضامن مع بلاده، مؤكداً أن معركة فنزويلا هي معركة القارة بأكملها:

 

"على أشقائنا في أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي أن يدركوا أن معركة فنزويلا من أجل الاستقلال والسيادة والسلام هي معركة القارة بأكملها، ونصرنا سيكون نصر كل القارة، لا للأكاذيب الإمبريالية، ونعم للسلام."

 

جدل حول "القتل خارج نطاق القانون"

 

أثارت الهجمات الأخيرة التي شنها الجيش الأمريكي على قوارب في الكاريبي والمحيط الهادئ، بزعم تهريبها للمخدرات، والاستهداف المباشر للأشخاص على متنها، جدلاً واسعًا في المجتمع الدولي بشأن ما وُصف بـ "عمليات القتل خارج نطاق القانون". هذا الجدل يضيف بعدًا حقوقيًا وإنسانيًا إلى الأزمة، ويضع التحركات العسكرية الأمريكية تحت مجهر التدقيق الدولي.

 

وتستمر الأزمة بين كراكاس وواشنطن في التصاعد، حيث تتشابك الاتهامات بالتدخل العسكري والسعي لنهب الثروات مع حملات مكافحة المخدرات والضغوط السياسية. وفي ظل استمرار التحركات العسكرية الأمريكية في المنطقة، وتأكيد مادورو على الاستعداد للدفاع عن سيادة بلاده، تبقى منطقة الكاريبي على صفيح ساخن، مما يستدعي ترقب التطورات القادمة التي قد تحدد مسار الصراع في أمريكا اللاتينية.