في كل مرة يخرج فيها مصطفى مدبولي رئيس وزراء السيسي أمام الكاميرات، يكرر نفس الأسطوانة: “الإصلاح الاقتصادي ضروري، والمواطن المصري يتحمل بصبرٍ بطوليٍّ تكاليف المرحلة”.

لكن خلف هذا الخطاب الممجوج، يعيش ملايين المصريين حياة من الفقر والحرمان والديون، يدفعون ثمن أخطاء لم يرتكبوها، بينما تُمنح الامتيازات والصفقات للمقربين من السلطة، ومع كل موجة غلاء جديدة، لا يجد المواطن سوى خطاب رسمي بارد يطالبه بالصبر… ثم الشكر، وكأن الجوع أصبح واجباً وطنياً.
 

إصلاحات أم سياسات تجويع؟
مدبولي يصف رفع الدعم وتحرير سعر الصرف وتضاعف الأسعار بأنها “تضحيات وطنية”، لكن الحقيقة أن ما جرى هو تجويع منظم لشعب كامل تحت شعار الإصلاح.
الحكومة نزعت الدعم عن الوقود والكهرباء والخبز، وحررت الجنيه حتى انهار، ثم وقفت لتشيد بقدرة المصريين على “التحمل”!
هذه ليست إصلاحات اقتصادية، بل سياسات قهر اجتماعي نُفذت بدم بارد لصالح صندوق النقد والبنوك الدولية، دون أي حماية للفقراء أو الطبقة الوسطى التي تحولت إلى شريحة مسحوقة.
لقد تحولت “فاتورة الإصلاح” إلى إعدام اقتصادي جماعي، تسببت في انهيار القوة الشرائية للمواطن وارتفاع معدلات الفقر إلى أكثر من 32% وفق الأرقام الرسمية، بينما تؤكد دراسات مستقلة أن النسبة الحقيقية تتجاوز 50%.
 

مدبولي والسيسي… وجها عملة واحدة
حين يتحدث مصطفى مدبولي عن “تقدير تضحيات المواطنين”، لا يفعل ذلك سوى لتبرير مزيد من القهر.

أما رئيسه عبد الفتاح السيسي، فلا يكف عن مطالبة الشعب بـ“الصبر والشكر”، في مفارقة مريرة تشبه أن يشكر الجلاد ضحيته على حسن الاحتمال.
فمنذ 2016، لم يعرف المصريون سوى موجات متتالية من رفع الأسعار، وانهيار الجنيه، وزيادة الضرائب، في مقابل وعودٍ جوفاء بمستقبلٍ أفضل لا يأتي أبداً.

يعيش المواطن اليوم على حدّ الكفاف، بينما تنفق الدولة المليارات على القصور، والعاصمة الإدارية، واستعراضات “الإنجازات” الوهمية، وتُحمّل الشعب ثمن ديونها وسياساتها الفاشلة، فالسيسي يحكم بالاقتراض، ومدبولي يُسوّق الفشل بلغة وطنية زائفة.
 

خبراء يصفونها: سياسة "اشكر جوعك وابتسم"
الخبير الاقتصادي ممدوح الولي عبّر عن الواقع بوضوح حين قال: “عندما تطلب من المواطن أن يدفع فاتورة الإصلاح دون أن تحسن حياته، فأنت لا تبني دولة، بل تزرع الإحباط والفقر.”

هذه الكلمات تختصر المأساة: النظام يطالب الناس بالصبر، بينما لا يمنحهم سوى الألم، فالحديث الرسمي عن “تحسين المؤشرات” لا يعني شيئاً لشخص لا يجد طعامًا أو دواءً.
لقد تحوّل الاقتصاد المصري إلى أرقام على الورق، ومأساة في البيوت، والحكومة تكتفي بترديد عبارات الشكر وكأنها منحة تُمنح للمواطن الجائع.
 

الإنجاز الوحيد: اتساع الفقر
بعد عشر سنوات من الحديث عن “الإصلاح”، تضاعفت الأسعار أكثر من ثلاث مرات، وانهارت الطبقة المتوسطة، وارتفعت معدلات الانتحار بين الشباب بسبب البطالة والديون.
ومع ذلك، ما زالت الحكومة تحتفل بتقارير “رفع التصنيف الائتماني” وكأنها انتصارات قومية.
لكن ماذا تعني هذه التقارير لشعبٍ لا يستطيع دفع إيجار شقته أو شراء دوائه؟
إنها حكومة تتباهى أمام المستثمرين بما سرقته من جيوب مواطنيها.
 

فشل اقتصادي أم نهج سلطوي؟
المأساة ليست فقط في النتائج، بل في المنهج ذاته.
النظام الحالي لا يرى في المصريين شركاء في الوطن، بل أدوات في مشروع سياسي مغلق، فكل القرارات الاقتصادية تُتخذ في دوائر ضيقة، بلا حوار، بلا شفافية، وبلا أي اعتبار للأثر الاجتماعي، ثم يُطل السيسي ووزراؤه ليتحدثوا عن “الشعب العظيم الذي يتحمل” — وكأن الصبر خيار، لا إجبار، إنها سياسة تبادل الأدوار بين الحاكم والمبرر: السيسي يأمر، ومدبولي يبرر، والشعب يدفع الثمن.
 

بالأرقام: عقد من الجوع الممنهج
وفقاً لتقارير البنك الدولي والجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (CAPMAS)، يمكن تلخيص نتائج “إصلاحات السيسي ومدبولي” في أرقام صادمة:

  • التضخم: تجاوز معدل التضخم السنوي في مصر 37% في منتصف عام 2025 — وهو الأعلى منذ 40 عاماً — مع ارتفاع أسعار الغذاء بنسبة تتجاوز 60% في بعض الأشهر.
  • قيمة الجنيه: فقد الجنيه المصري أكثر من 70% من قيمته منذ أول قرار لتحرير سعر الصرف في 2016، لتتجاوز قيمة الدولار 65 جنيهًا في السوق الموازية خلال 2025.
  • الفقر: ارتفعت نسبة المصريين تحت خط الفقر من 27.8% عام 2015 إلى نحو 33% رسميًا، بينما تُقدّر دراسات مستقلة النسبة الحقيقية بأكثر من 50% من السكان.
  • الديون الخارجية: قفز الدين الخارجي من 46 مليار دولار في 2014 إلى نحو 165 مليار دولار في 2025، أي أكثر من ثلاثة أضعاف خلال عقد واحد.
  • البطالة: تتراوح معدلات البطالة الفعلية (غير الرسمية) بين 15 و18%، رغم إعلان الحكومة نسبًا أقل لتجميل الصورة.
  • الدين الداخلي: تجاوز الدين المحلي حاجز 8 تريليونات جنيه مصري، ما يعني أن كل طفل يولد اليوم في مصر يبدأ حياته مديونًا قبل أن ينطق أول كلماته.

هذه الأرقام لا تعبّر فقط عن فشل اقتصادي، بل عن كارثة إنسانية يعيشها شعب يُطلب منه الصبر على سياسات تقتله ببطء.
فبينما يتباهى السيسي ووزراؤه بمؤشرات “النمو الكلي” أمام المؤسسات الدولية، يعيش المواطن المصري أسوأ فترات الجوع والغلاء في تاريخه الحديث.
إنها ليست “إصلاحات” كما يدّعون، بل سياسة إفقار ممنهج تُدار بيد حكومةٍ فقدت ضميرها، وجنرال لا يرى في من يحكمهم سوى وقودٍ لمشاريعه الدعائية.