قبل أيام قليلة، هزت مصر جريمة مروعة بطلها طفل لم يتجاوز الثالثة عشر من عمره أقدم على قتل زميله في إحدى المدارس بمحافظة الإسماعيلية على إثر خلاف بينهما، ومزق جثمانه إلى أشلاء باستخدام منشار كهربائي.

 

المعلومات حول الحادثة اتسمت بالبشاعة، وهو ما فجر تساؤلات بين المصريين على منصات التواصل الاجتماعي حول أسباب ذلك، وما إذا كان له علاقة بانعدام الرقابة على الأطفال على مشاهدة المحتوى العنيف على المنصات الإلكترونية وشاشات التلفزيون.

 

وفقًا للتفاصيل التي نشرتها وسائل الإعلام، استدرج الطفل المتهم زميله إلى منزل أسرته في غياب والديه، واعتدى عليه بالضرب حتى فارق الحياة، قبل أن يُحضر منشار والده الكهربائي، ويشرع في تقطيع الجثة إلى أشلاء متأثرًا بمشاهد شاهدها في أحد المسلسلات العنيفة وألعاب الفيديو الإلكترونية.

 

واعترف الطفل خلال التحقيق معه، أنه قرر قتل زميله بعد مشادة كلامية بينهما في المدرسة. وقد استوحى طريقة القتل من أحد الأفلام الأجنبية، وكشف أنه أقدم على أكل جزء من لحم الضحية، لأنه كان "يريد معرفة طعمه"، ووصفه بأنه "يشبه طعم البانيه".

 

الجريمة على بشاعتها تعكس واقعُا مؤلمًا يغفل عنه كثير من أولياء الأمور الذي يتركون أطفالهم يحدقون في شاشات هواتفهم بالساعات دونما رقابة على المحتوى الذي يشاهدونه، ما يزيد من الخطر أن الأطفال في هذه السن يلجأون إلى التقليد الأعمى، ويتظاهرون بالجرأة إلى حد التهور في تصرفاتهم.

 

لم يكن هذا الطفل استثناءً، فالمعلومات تشير إلى انعدام الرقابة عليه من جانب الوالدين، مما جعله عرضة لتأثيرات المحتوى العنيف الذي يتابعه عبر الإنترنت، ومتأثرًا بشدة بالشخصيات التي يشاهدها في الأفلام والألعاب، من خلال محاولة تقليد مشهد في أحد الأفلام التي تابعها مؤخرًا على أحد مواقع الأفلام الأجنبية.

 

تكرار مشاهدة الأطفال للعنف

 

وحذر الدكتور نور أسامة، استشاري الطب النفسي وعضو المجلس القومي للطفولة والأمومة في مقابلة تلفزيونية من أن تكرار مشاهدة مشاهد العنف منذ الطفولة وحتى المراهقة يخلق استعدادًا نفسيًا لممارسته.

 

وأضاف أن دراسات تصوير الدماغ بالرنين المغناطيسي كشفت أن نسبة الإقدام على المخاطرة والعنف بين المراهقين مع أصدقائهم تتجاوز 92 بالمائة، وهو ما يستدعي تدخلًا تربويًا وإعلاميًا عاجلًا لحماية الأجيال الجديدة من التطبيع مع العنف.

 

وأوضح أن العدوان نوعان، عدوان فطري للدفاع عن النفس، وعدوان مكتسب يولد شعورًا باللذة أثناء إيذاء الآخرين، وهو ما يظهر في سلوكيات الأطفال خلال الألعاب الإلكترونية التي تُكافئ على العنف والانتصار.

 

إنذار مرعب للمجتمع

 

وحذرت الكاتبة جيهان موسى الصياد عبر صفحتها على موقع "فيسبوك" من أن "هذه الحادثة ليست مجرد جريمة، بل إنذار مرعب للمجتمع كله — فالعنف لم يعد يأتي من الشوارع، بل من داخل عقول صغار لم تكتمل بعد".

 

ودعت الآباء والأمهات إلى مراقبة المحتوى الذي يشاهده أطفالهم أمام الهواتف والشاشات، قائلة إن الألعاب التي تُظهر الدماء والقتل كأنه أمر عادي، والمقاطع التي تمجّد الانتقام والعنف، كلها تغرس في عقول الصغار ما لا يمكن إصلاحه بعد فوات الأوان".

 

لذا، حثت على ضرورة الاقتراب من الأبناء لمعرفة ما الذي يضايقهم، وتعليمهم كيف يعبّرون عن غضبهم بالكلمة لا باليد، بالحديث لا بالأذى، "فكل طفلٍ غاضب اليوم قد يصبح مأساة غدًا إن لم يجد من يحتويه بحبٍ وحنان".

 

ودقت جرس إنذار في النهاية، قائلة: "حادثة الإسماعيلية وجعٌ في قلب كل بيت مصري... لكنها أيضًا جرس إنذار لعلّنا نستيقظ قبل أن نفقد براءة أطفالٍ آخرين".