في الوقت الذي يواجه فيه قطاع غزة أسوأ أزمة إنسانية نتيجة الحصار المستمر والعدوان المتكرر، أطلق قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي دعوة للشعب المصري للتبرع لصالح إعادة إعمار القطاع. ولكن هذه الدعوة، التي قد تبدو إنسانية في ظاهرها، تثير تساؤلات كبيرة حول نوايا النظام المصري، خاصة في ظل السياسات التي يطبقها والتي ساهمت في تفاقم معاناة الفلسطينيين، فضلاً عن تأثيراتها السلبية على الشعب المصري نفسه.
دعوة غير مبررة في سياق المشاركة في الحصار
من غير المفهوم كيف يُمكن للسيسي أن يدعو المصريين للتبرع لصالح غزة بينما يستمر في المشاركة في حصارها. فمصر تتحكم في معبر رفح، وهو المنفذ الوحيد لغزة إلى العالم الخارجي، ولا تترك للقطاع أي فرصة للتحرك بحرية. وفي الوقت الذي يختنق فيه القطاع بالمساعدات المهددة بعدم وصولها بسبب القيود المفروضة على المعابر، يأتي السيسي ليطلب من الشعب التبرع لدعمه، مما يثير تساؤلات حول مغزى هذه الدعوة. هل هي فعلاً لمساعدة غزة أم لخلق "سبوبة جديدة" على حساب الشعب المصري؟
شكوك واتهامات
لا تقتصر المخاوف من دعوة السيسي على الشعب المصري فقط، بل هناك العديد من الخبراء والمعلقين السياسيين الذين عبّروا عن شكوكهم في دوافع هذه الدعوة. من أبرز هؤلاء نظام المهداوي و ياسر الزعاترة، اللذين كان لهما تصريحات ناقدة حول استغلال المواقف الإنسانية لأغراض سياسية. فقد أشار المهداوي إلى أن النظام المصري يسعى من خلال هذه الدعوة إلى تحويل الأضواء عن فشله في حل الأزمة الاقتصادية الداخلية، واستخدام "إعادة إعمار غزة" كذريعة لفرض المزيد من الأعباء المالية على المواطنين. كما أوضح الزعاترة أن دعوة السيسي تفتقر إلى الشفافية ولا تعكس نية حقيقية في تقديم الدعم للفلسطينيين، بل تسعى فقط لتحسين صورة النظام داخليًا ودوليًا.
حتى الاعلامي ابراهيم عيسى كتب " أنا لن أتبرع لـ غـ.ـزة، من يضمن وصول التبرعات لفلـ.ـسطين دون أن تضيع".
الإعلامي إبراهيم عيسى: أنا لن أتبرع لـ غـ.ـزة، من يضمن وصول التبرعات لفلـ.ـسطين دون أن تضيع؟ والرئيس السيسي أوقف تصفية القضية وأنقذ الفلسطـ.ـينيين من أنفسهم#مزيد pic.twitter.com/Sq7WT2SAkb
— مزيد - Mazid (@MazidNews) October 21, 2025
الصحفية شرين عرفة " مع كل مرة يخرج فيها #السيسي ويردد مثل هذا الكلام.... نجد من يرد عليه بالقول : لا نريدك أن تحارب، لكن لماذا تغلق معبر رفح وتمنع دخول المساعدات؟؟"
مع كل مرة يخرج فيها #السيسي
— شيرين عرفة (@shirinarafah) October 20, 2025
ويردد مثل هذا الكلام....
نجد من يرد عليه بالقول :
● لا نريدك أن تحارب، لكن لماذا تغلق معبر رفح وتمنع دخول المساعدات؟؟
●لا نريدك أن تحارب، لكن لماذا ضاعفت التبادل التجاري بينك وبين الصهاينة، وأمددتهم بما يحتاجون من فواكه وخضروات ومواد بناء، وعقدت… pic.twitter.com/CsUgN3cKe8
وكتب حزب تكنوقراط مصر " بعد عامين من حصار غزة و المشاركة فى الابادة السيسي يطالب بالتبرع لغزة .. عمرو أديب: التبرع لغزة مش بمزاجك.. دي في رقبتك ليوم الدين".
بعد عامين من حصار غزة و المشاركة فى الابادة
— حزب تكنوقراط مصر (@egy_technocrats) October 20, 2025
السيسي يطالب بالتبرع لغزة .. عمرو أديب: التبرع لغزة مش بمزاجك.. دي في رقبتك ليوم الدين pic.twitter.com/TVik991TJs
هل هي خطوة إنسانية أم محاولة للاستفادة السياسية؟
العديد من الخبراء والمتابعين يرون في هذه الدعوة محاولة جديدة لاستغلال المواقف الإنسانية لأغراض سياسية. لا يمكننا تجاهل حقيقة أن مصر نفسها تساهم في معاناة الفلسطينيين في غزة من خلال تضييق الخناق عليهم. فكيف يمكن لنظام يشارك في حصار قطاع غزة أن يقدم نفسه كمنقذ لهذه القضية؟ إن دعوة السيسي قد تكون أكثر من مجرد تبرع طوعي، بل قد تكون مدخلاً لفرض "اتوات" مالية على المواطنين المصريين تحت مسميات مختلفة، وهو ما قد يؤدي إلى تحميلهم أعباء إضافية في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة.
الخشية من فرض "اتوات" على المواطنين:
تزايدت المخاوف بين بعض الخبراء حول إمكانية فرض رسوم جديدة على المواطنين تحت مسمى "التبرعات"، وهو ما قد يكون نوعًا من "السبوبة الجديدة" التي يتوقع البعض أن يُستغل فيها الشعب المصري. ليس خفيًا على أحد أن العديد من الحملات الحكومية السابقة قد تم فيها فرض رسوم على المواطنين بشكل غير مباشر، من خلال رفع أسعار الخدمات أو خصم من الرواتب. فما الذي يمنع النظام من فرض رسوم إجبارية تحت مسمى دعم "إعادة إعمار غزة"؟ وما هي الضمانات بأن هذه الأموال ستصل إلى مستحقيها في غزة؟
هل الأموال ستصل إلى غزة؟
في هذا السياق، لا يمكن تجاهل الشكوك المتعلقة بالشفافية في استخدام التبرعات. هناك تاريخ طويل من التجارب التي أثارت تساؤلات حول كيفية إدارة الأموال التي يتم جمعها في مصر، وتوزيعها على المشاريع الإنسانية. ما يثير القلق هو غياب الآليات الرقابية التي تضمن أن الأموال المجمعة ستصل فعلاً إلى قطاع غزة، بدلاً من أن تُستخدم في أغراض أخرى قد تكون بعيدة عن هدفها الأساسي.
ختاماً فإنه من الواضح أن دعوة السيسي تأتي في سياق أزمة سياسية داخلية وعجز عن معالجة الأوضاع الاقتصادية التي يعاني منها المواطن المصري. ولذلك، فإن الكثيرين يرون في هذه الدعوة محاولة لتصريف أزمات النظام عبر التلاعب بمشاعر الشعب المصري، ليُحمل مرة أخرى عبءًا جديدًا تحت اسم "إعادة إعمار غزة". هذا في الوقت الذي يظل فيه دور مصر في حصار القطاع الفلسطيني غامضًا وغير مبرر. يبقى السؤال الأهم: هل هذه دعوة إنسانية أم مجرد "سبوبة جديدة" على حساب الشعبين المصري والفلسطيني؟