في ظل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه مصر، تبدو الحكومة غير قادرة على إدارة ملف الأمن الغذائي بشكل يرتقي إلى حجم التحديات. فبينما يتزايد الجوع والفقْر، لا تزال السياسات الحكومية تتسم بالتقصير والتردد، لتتحول المعدة ــ التي هي "بيت الداء" كما عبّر عنها بطل رواية يوسف القعيد وجع البعاد ــ إلى ساحة صراع اجتماعي وسياسي يخضع لمنطق الجوع كأداة للسيطرة والتخويف.

 

وينطلق من هنا الكاتب عمار علي حسن، ليوضح في مقال له أن الحكومة تتعامل مع ملف الأمن الغذائي بقلّة جدوى، أو على نحو يغذي أزمة الجوع ويعمّقها، بدلًا من مواجهتها بحلولٍ جذرية. في بلد يعاني فيه المواطنون من ارتفاع الأسعار وانعدام الاستقرار الغذائي، تبدو خطوات الحكومة غير كافية، بل إنّ الجوع أصبح يُستخدم كوسيلة للتحكم الاجتماعي والسياسي، كما تعرض ذلك مقالة حسن بوضوح.

 

الجوع ليس حالة صحية... بل سياسية

 

وفق مقال عمار علي حسن، تكمن المشكلة في ربط الجوع بمعنى اجتماعي وسياسي عميق، لا يقتصر على نقص الطعام وحسب، بل يمتد إلى صراعات السلطة والتحكم في الجماعات البشرية. فكما يشرح، أن المعاناة التي يعانيها البطل في رواية يوسف القعيد وجع البعاد تعكس واقعًا يسيطر عليه الجوع والحرمان بفعل سياسات رسمية تتحكم في الغذاء بيد من حديد.

 

القمح: سلاح الإمبراطوريات واستراتيجية الدول

 

كما بيّن حسن، القمح ليس مجرد سلعة  غذائية، بل هو "سلعة استراتيجية" تُستخدم في ساحات الصراع السياسي والاقتصادي، رغم أن الناس في بلدان كثيرة لا يجدون ما يكفي من هذا الغذاء الأساسي. سياسات مثل خفض الإنتاج الأميركي من القمح، رغم المجاعات في دول أخرى، تظهر بوضوح كيف تُدار القضية بفوقية مصلحية، لا بمسؤولية إنسانية أو وطنية.

 

صناعة الجوع في نظام الهيمنة الجديد

 

يشير المقال إلى أن السياسات الاستعمارية قديمة تلتقي مع النيوليبرالية الحديثة في إنتاج فقر غذائي متواصل. حيث تُجبر الدول الفقيرة على أن تكون فقط منتجة للمواد الخام ولا تحظى بفرصة حقيقية لتحقيق اكتفاء ذاتي غذائي، مع الإبقاء على الفلاحيين في حالة هشاشة وربما استبعاد، وفق رؤية سمير أمين التي استعرضها حسن.

 

الحكومات والجهات الحاكمة: مجازر الجوع المتعمدة

 

ركز المقال على كيف أن الحكومات أحيانًا تعمد إلى إبقاء شعبها في خطوط الجوع، مستعينة بسياسة "جوّع كلبك يتبعك"، وذلك خوفًا من تأثير غضب الجياع. إنها سياسة "الضبط بالعجز الغذائي"، حيث تخشى السلطة انفجار الغضب الشعبي فتدير الأزمة لتفادي تحديات أكبر.

 

دروس من الماضي: انتفاضة الخبز في مصر

 

يُسلط المقال الضوء على حدث تاريخي عاصرته مصر، انتفاضة الخبز عام 1977، مثالًا حيًا على فشل الحكومات حين تجاهلت مأساة ارتفاع أسعار الغذاء، وحملت مسؤولية الغضب الشعبي إلى القوى المعارضة، بدلاً من معالجة السبب الجذري، وهو فقدان الأمن الغذائي.

 

الجوع والسلطة... معادلة لا ينفصل بعضها عن بعض

 

تؤكد قراءة مقال عمار علي حسن أن أزمة الغذاء ليست معضلة إنسانية فقط، بل ساحة صراع تحكمها السلطات عبر سياسات تجعل من الجوع أداة حكم. إذن، لا يمكن فصل الأمن السياسي عن الأمن الغذائي، ويجب على الحكومات أن تعي أن معالجة الجوع ليست رفاهية بل ضرورة للبقاء والاستقرار.