أعلنت هيئة البث الإسرائيلية «مكان» صباح اليوم الخميس الإعلان عن انسحاب ثلاث فرق عسكرية كانت تقاتل في مدينة غزة، في خطوة اعتبرها مراقبون تمهيداً لتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار المرتقب.
ووفق القناة، يأتي هذا التحرك لتجنب أي احتكاك محتمل مع آلاف النازحين الفلسطينيين الذين بدأوا في العودة إلى منازلهم المدمّرة عقب توقف المعارك.
 

إعادة انتشار واستعداد ميداني
وفي السياق ذاته، أفادت إذاعة الجيش الإسرائيلي «جالي تساهال» بأن الوحدات القتالية المنتشرة في القطاع تلقت أوامر بالاستعداد لإعادة انتشارها خلال الأيام المقبلة، موضحة أن القوات ستنسحب جزئياً أو تتمركز في خطوط خلفية وفق مقتضيات الخطة العسكرية الجديدة.

كما نقلت قناة «12» الإسرائيلية أن الترتيبات النهائية لانتشار القوات يتم استكمالها حالياً، على أن يُوقَّع الاتفاق النهائي في شرم الشيخ ظهر اليوم، ليدخل وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ مباشرة بعد التوقيع.
 

اجتماعات الكابينيت والمصادقة الحكومية
وبحسب القناة، سيجتمع المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية «الكابينيت» في الثالثة بعد الظهر لمناقشة بنود الاتفاق، يعقب ذلك اجتماع لمجلس الوزراء للمصادقة النهائية عليه.

وفي حال الموافقة، ستبدأ قوات الجيش بالانسحاب إلى الخطوط المتفق عليها، مع توقع الإفراج عن جميع الأسرى الإسرائيليين الأحياء بحلول يوم الإثنين المقبل.
كما أفادت القناة بأن زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى إسرائيل متوقعة يوم الأحد القادم، في خطوة تهدف إلى دعم الاتفاق وتأكيد التزام واشنطن بمسار التهدئة.
 

تنازلات متبادلة في المفاوضات
صحيفة «يسرائيل هيوم» نقلت عن مصادر دبلوماسية أن الجانبين قدما تنازلات متبادلة خلال المفاوضات الأخيرة التي أسفرت عن الاتفاق على المرحلة الأولى من الهدنة في غزة.
ووفق تلك المصادر، فقد ساهمت وساطة مصرية فاعلة في تذليل العقبات والوصول إلى الصيغة النهائية للاتفاق الذي يضمن انسحاباً تدريجياً للقوات الإسرائيلية من القطاع، مقابل ترتيبات أمنية مشتركة تحفظ أمن الطرفين.
 

دور الوساطة والجهود الدولية
تؤكد التطورات الأخيرة الدور المحوري الذي لعبته القاهرة في المفاوضات، إلى جانب دعم إقليمي ودولي واسع لتثبيت وقف إطلاق النار وتهيئة الأرضية لتسوية أوسع للصراع.
ويُنظر إلى اتفاق شرم الشيخ باعتباره محطة فاصلة بعد شهور من المواجهات الدامية، إذ يرتكز على مبدأ الانسحاب الإسرائيلي الكامل من مناطق القتال، وتأمين ممرات إنسانية لعودة المدنيين، وإطلاق سراح الأسرى من الجانبين.
 

آمال السلام وتحديات التنفيذ
تزامناً مع بدء الانسحابات الميدانية، تستعد منظمات إنسانية لدخول غزة لتقديم المساعدات العاجلة للنازحين، في ظل دمار واسع لحق بالبنية التحتية خلال العمليات العسكرية.
ويرى مراقبون أن الاتفاق يمثل خطوة مهمة نحو الاستقرار النسبي، لكنه يبقى هشّاً ما لم تلتزم الأطراف ببنوده بشكل كامل وتُفعّل آليات المراقبة الدولية.
 

اتفاق شرم الشيخ.. اختبار جديد للسلام
يُنتظر أن يعلن رسمياً عن وقف إطلاق النار عقب مصادقة الحكومة الإسرائيلية مساء اليوم، إيذاناً ببدء مرحلة جديدة من التهدئة في القطاع.
وتأتي هذه التطورات بينما تحاول الأطراف الدولية تثبيت الهدوء ومنع أي خرق محتمل قد يعيد دوامة العنف.

وتؤكد مصادر دبلوماسية أن الاتفاق جرى برعاية تفاهمات إقليمية دقيقة، شملت ضمانات لتنفيذ الالتزامات الميدانية والسياسية، بما في ذلك إعادة الإعمار وفتح المعابر بشكل تدريجي.
 

سيناريوهات ما بعد الانسحاب: تحديات التنفيذ والضمانات
الجيش الإسرائيلي أعلن استعداده لإعادة انتشار وحداته خلال الأيام المقبلة، أما الخطة العسكرية الجديدة فتسمح للقوات بالانسحاب الكامل أو التمركز في الخطوط المتفق عليها حسب ترتيبات الاجتماع.
جاء ذلك مع استعداد المجتمع الدولي لمتابعة الموقف وضمان وصول الإغاثة والمساعدات الإنسانية في ظل الانهيار شبه الكامل للبنية التحتية بالقطاع.
وتشمل بنود الاتفاق الأممية ترتيبات مفصلة لدخول فرق الإغاثة وتوفير حماية للمدنيين الفلسطينيين شمال القطاع.

من جانبها، عبّرت حركة حماس عن امتنانها لجهود الوساطة، مطالبة بضمانات دولية تلزم الاحتلال الإسرائيلي بعدم الانسحاب من التزامات الاتفاق أو تعطيل تطبيقه.
وقد أوضح البيان الفلسطيني أنه دون وفاء إسرائيل بهذه الاستحقاقات ستتجدد الأزمة وتستمر معاناة المدنيين، ما يجعل المرحلة القادمة اختبارًا حاسمًا لمصداقية الاتفاقات التي تتم برعاية عالمية في ظل صراع إقليمي مشحون.
 

دلالات الحدث: رضوخ إسرائيلي وتغيير قواعد المواجهة
انسحاب الفرق العسكرية الإسرائيلية من غزة يُنظر إليه كخطوة اضطرارية جاءت بعد سلسلة ضغط سياسي وعسكري دولي أفرز توافقات غير مسبوقة في شرم الشيخ، بعدما فشلت إسرائيل لأشهر في فرض أمر واقع بالقوة، وواجهت مقاومة شرسة وخسائر ثقيلة وسط اضطراب داخلي منتظم أدى لتصدعات في المشهد السياسي الإسرائيلي.
وتشير مصادر دبلوماسية إلى أن وقف إطلاق النار الحالي ليس نهاية المشهد، بل بداية لتحول جديد في المواجهة، يُحتم تدخلاً دوليًا أوسع لتثبيت الهدنة ومتابعة ملفات الأسرى والانتهاكات الإنسانية في القطاع.

وبهذا، يشكل اتفاق شرم الشيخ المرتقب بارقة أمل في مسار طويل من الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي، ومرحلة جديدة لاختبار قدرة المجتمع الدولي على فرض الاستقرار وترجمة الهدنة إلى سلام مستدام.