في مطلع أكتوبر 2025 أعلنت حكومة الانقلاب العسكرية عن تخصيص حزمة استثمارية لقَطع التنمية في شمال وجنوب سيناء، وبيّنت تقارير رسمية أن مخصصات الخطة المالية للسنة 2025/2026 تتضمن نحو 10 مليار ولم يحددها دولار أو جنيهاً مصرياً مخصصة لمشروعات في سيناء تشمل بنية تحتية وكهرباء ومرافق عامة.
الأرقام الرسمية تتحدث عن 10 مليار جنيهاً مصرياً، بينما خطاب الشارع يتحدّث بخوف من تحويلها إلى مشاريع استراتيجية بغطاء إنساني وسياسي.
وزارة المالية ووزيرة التخطيط أدرجتا في خطة 2025/2026 مخصصات لمشروعات في شمال وجنوب سيناء بنحو 10 مليار (تم تداوله في تقارير 6–8 أكتوبر 2025) لتحديث شبكات التوزيع والكهرباء ومياه وصرف صحي وخدمات صحية وتعليمية.
ما الذي يخفيه هذا التوقيت؟
لماذا يظهر هذا المشروع الضخم فقط الآن وسط أزمة سياسية وأمنية متصاعدة؟
وأين مكان القضية الفلسطينية من كل هذا؟
في هذا التقرير، نسلط الضوء على الأبعاد الحقيقية للمشروع، مستندين إلى إحصاءات، بيانات، وتاريخ تصريحات سياسية ودبلوماسية.
الإهمال المزمن لشبكة الكهرباء في سيناء
رغم أن شمال وجنوب سيناء من المناطق الإستراتيجية، إلا أن شبكة الكهرباء هناك عرفتها الإهمال لعقود، مع انقطاعات متكررة وظروف معيشية صعبة للسكان.
صرح وزير الكهرباء المصري بحكومة الانقلاب محمود عصمت في أكتوبر 2025 أن هناك جهودًا لتركيب 3,400 كيلومتر من الكابلات، و13,000 محول لتحسين الخدمة في 155 موقعاً سكنيًا وصناعيًا، بعد سنوات طويلة من تجاهل البنية التحتية في تلك المناطق.
لكن هذا التوقيت جاء بعد موجة انقطاعات كهربائية واستقالة الخطة المتعثرة لإمداد الكهرباء، رغم أن الأزمة في مصر أبعد بكثير من سيناء وحدها وتعود لأسباب متعددة منها نقص الغاز وعدم الكفاءة الإدارية.
المشروع واستغلاله في الرهان السياسي
يُطرح المشروع كجزء من رؤية "الجمهورية الجديدة" التي يروج لها نظام الانقلاب، لتعزيز صورة إنجازات مزيفة واستعراض قوة النظام العسكري المركزي.
يُفضّل النظام الاستثمار في مشاريع ضخمة ظاهرة على حساب الحقوق الاجتماعية والاقتصادية الحقيقية للسكان المحليين من البدو في سيناء، الذين يُتهمون بالتهميش وتهجيرهم محليًا لتسهيل السيطرة العسكرية والاقتصادية.
علاقة المشروع بتهجير الفلسطينيين
في ظل تصاعد النزاع في غزة والحديث عن مشاريع دولية لإعادة توطين الفلسطينيين في سيناء، تثير هذه الاستثمارات الكهربائية الجدل حول ما إذا كانت تجهيزات البنية التحتية تهدف إلى تهيئة سيناء لهذا السيناريو.
تقرير صدر في 2025 أشار إلى احتمالية إزاحة مئات آلاف الفلسطينيين من غزة إلى سيناء وتأسيس مدن جديدة لهم، مع إقامة "مناطق عازلة" تمنع عودتهم، وسط مخاوف السكان المحليين.
يرى كثيرون أن ضخ 10 مليارات دولار في تطوير الكهرباء ما هو إلا تمهيد لتسهيل استيعاب هذه التحولات الديموغرافية القسرية، وهو ما يؤكد مخاطره واقع تراجع الأمن والحقوق في المنطقة.
تقييم تأثير الضخ المالي على حل الأزمة
رغم الاستثمار الضخم، تستمر أزمة الكهرباء في مصر عامة، والسيناريو الحالي يشير إلى أن المشروع يفتقر إلى الجدوى الحقيقية في حل أزمة الكهرباء أو تحسين حياة السكان بقدر ما هو أداة سياسية وعسكرية.
بل إن الانقطاعات استمرت وأسوأت من الحالة من 2023 حتى 2025، حيث ظلت شبكة الكهرباء تواجه أزمات نقص الغاز وفساد إداري.
الأبعاد السياسية ولماذا يذكر النظام المشروع الآن؟
تأتي تصريحات السيسي حول المشروع بخلفية سياسية واضحة، خصوصًا في ضوء التوترات الأمنية في سيناء، والحرب الإسرائيلية على غزة، وتهديدات التهجير، ودور الجيش في الاقتصاد.
يروج النظام لصورة الحلول الإنشائية الضخمة حتى وسط الأزمة المستمرة، محاولاً تمرير مشروع استثماري على حساب الحقوق المدنية.
هذا المشروع يأتي ضمن سياسة "الانقلاب" التي تتسم بالتآمر وعدم الشفافية، حيث يُحمَّل الفقراء والأهالي في سيناء وباقي مصر أثمان سياسة اقتصادية وعسكرية قمعية تستهدف إشباع مصالح المؤسسة العسكرية فقط.
تقرير لهيومن رايتس ووتش 2023 انتقد استهداف الحكومة المصريّة للخدمات العامة والانقطاعات الكهربائية المستمرة وارتباطها بتقليص دعم الطاقة لزيادة صادرات الغاز.
تحليلات إسرائيلية وإقليمية في 2025 تحذر من أن مصر قد تُجبر على تحمل تبعات التوترات في غزة وزيادة الضغط عليها لقبول فكرة تهجير الفلسطينيين إلى سيناء.
مشروع "الجمهورية الجديدة" و"رؤية 2030" في سيناء تُستخدم لتبرير استهداف السكان المحليين وفرض السياسات العسكرية والاقتصادية الربحية للنظام.
على الرغم من ضخ 10 مليارات دولار في تطوير الكهرباء في شمال وجنوب سيناء، فإن المشروع جاء متأخرًا بعد عقود من التعمد في الإهمال لشبكة حيوية، في سياق أزمات مواقف سياسية وأمنية معقدة.
التوقيت والإعلان عن المشروع يكشف أن النظام يروّج له كجزء من رؤية سياسية استبدادية تفرض السيطرة بالتزامن مع مخططات ذات أبعاد أمنية وسياسية، منها احتمال استغلال البنية التحتية لتحضير سيناء لاستيعاب تهجير الفلسطينيين من غزة.
في حين أن المشروع لا يعالج جذور أزمة الكهرباء أو يضمن حقوق المواطنين الحقيقية، بل يعزز من نفقات مؤسسات النظام مع استمرار معاناة الشعب، هذا يؤكد أن الحكومة الانقلابية تنفذ مشاريع متآمرة لا تخدم مصر وشعبها بل مصالحها الخاصة فقط.