كشفت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، اليوم (الأربعاء)، عن حصيلة مأساوية جديدة تؤكد عمق الكارثة الإنسانية في قطاع غزة، إذ قُتل أو أُصيب نحو 64 ألف طفل خلال العامين الماضيين، بينهم ما لا يقل عن ألف رضيع.
وقالت المنظمة، في بيان رسمي على موقعها الإلكتروني، إن ما يجري في غزة يمثل «كارثة إنسانية غير مسبوقة»، محذّرة من أن المجاعة في المدينة تستمر في التمدد جنوبًا، وأن أزمة سوء التغذية بين الأطفال الرضّع بلغت مستويات «صادمة» قد تخلّف ضررًا دائمًا في النمو الجسدي والعقلي لجيل بأكمله.
وأكدت المنظمة أن 14 طفلًا على الأقل قُتلوا منذ صباح السبت الماضي في ظل القصف الإسرائيلي المتواصل، مشيرة إلى أن الأرقام الحقيقية قد تكون أكبر بكثير نظرًا لصعوبة الوصول إلى المناطق المنكوبة، وانعدام القدرة على إحصاء من دُفنوا تحت الأنقاض أو قضوا بسبب أمراض يمكن الوقاية منها.
مسؤولية إسرائيل... وعقاب جماعي للأطفال
تقرير «يونيسف» يأتي ليؤكد أن الاستهداف المنهجي للبنية المدنية في غزة، بما في ذلك المستشفيات والمدارس ومراكز الإيواء، جعل الأطفال يدفعون الثمن الأكبر للحرب.
فمنذ اندلاع العدوان قبل عامين، نفذت إسرائيل عمليات قصف مكثفة استهدفت مناطق مكتظة بالسكان، ما أدى إلى تدمير أكثر من نصف المرافق الصحية والتعليمية في القطاع، وفق تقارير أممية سابقة.
وتشير تقديرات منظمات الإغاثة إلى أن أربعة من كل خمسة أطفال في غزة فقدوا أحد أفراد أسرهم أو تعرضوا لصدمات نفسية عميقة، فيما يعيش مئات الآلاف في خيام مؤقتة بلا مياه نظيفة أو طعام كافٍ.
ويرى مراقبون أن هذا الواقع يمثل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني واتفاقية حقوق الطفل، التي تلزم أطراف النزاع بتوفير الحماية للأطفال في أوقات الحرب.
ومع ذلك، تقول «يونيسف» إنها لم تتلقَّ أي ضمانات من الحكومة الإسرائيلية بالسماح بدخول المساعدات بشكل كافٍ، فيما تستمر القيود المشددة على المعابر، بما في ذلك معبر كرم أبو سالم ومعبر رفح الحدودي.
المجتمع الدولي... صمت يرقى إلى التواطؤ
تؤكد المنظمة الأممية أن الحاجة إلى وقف إطلاق النار أصبحت مُلحّة للغاية، داعية جميع الأطراف إلى إنهاء العنف وفتح ممرات إنسانية دائمة.
لكنها، في الوقت نفسه، تلمّح إلى عجز المنظومة الدولية عن فرض أي التزام فعلي بقراراتها، إذ لا تزال الدعوات إلى وقف النار تواجه بالفيتو والتجاذبات السياسية في مجلس الأمن.
ويرى خبراء أن هذا الصمت الدولي أمام مأساة الأطفال في غزة يمثل فشلًا أخلاقيًا وسياسيًا فادحًا، يعكس ازدواجية المعايير في التعامل مع حقوق الإنسان.
فبينما تُحرَّك الجيوش والعقوبات لأجل حماية مدنيين في مناطق أخرى من العالم، يُترك أطفال غزة لمصيرهم بين الجوع والأنقاض.
وفي هذا السياق، تحذّر «يونيسف» من أن استمرار منع الإمدادات الغذائية والطبية يحوّل المجاعة إلى أداة حرب، تُستخدم لمعاقبة السكان جماعيًا، وهو ما يتنافى مع كل الأعراف الدولية.
وتضيف أن «حرمان الأطفال من الغذاء والرعاية الصحية المتاحة هو جريمة لا تقل فداحة عن القصف».
أزمة غذاء تتحول إلى تهديد وجودي
تشير بيانات المنظمة إلى أن نسبة الأطفال الذين يعانون من سوء تغذية حاد في غزة تجاوزت 40%، في حين يواجه آلاف منهم خطر الموت جوعًا خلال الأسابيع المقبلة إن لم يُفتح المجال أمام المساعدات دون قيود.
ويُظهر الواقع الميداني أن القطاع الصحي منهار بالكامل: المستشفيات تعمل بطاقتها الدنيا، والأمهات يعجزن عن إيجاد حليب لأطفالهن، بينما تنتشر الأمراض المعدية في المخيمات.
ويؤكد التقرير أن هذا الوضع لم يعد أزمة إنسانية فحسب، بل تهديد وجودي للمجتمع الفلسطيني، إذ يولد جيل كامل محروم من الغذاء والتعليم والأمان، ما يهدد بمستقبل مظلم طويل الأمد في المنطقة.
خاتمة: أطفال غزة... ضحايا حرب بلا نهاية
تختتم «يونيسف» بيانها بدعوة صريحة إلى وقف فوري لإطلاق النار، وإطلاق سراح جميع الرهائن، وفتح الممرات الإنسانية عبر كل المعابر. وتقول:
«الأطفال في غزة لا يصنعون الحروب، لكنهم يتحملون عبء نتائجها... إنهم بحاجة إلى الغذاء والأمان، لا إلى المزيد من الدمار».
لكن خلف هذا النداء الإنساني الصادق، تتبدّى المفارقة السياسية القاسية: العالم الذي يملك القدرة على إنهاء المأساة، يكتفي بإحصاء الضحايا.
وبينما تُدفن الطفولة تحت الركام، يظل شعار “حماية المدنيين” حبرًا على قرارات لا تجد طريقها إلى التنفيذ.