يُعوّل قائد الانقلاب، عبدالفتاح السيسي، على الإعلام الموالي له في الترويج لنظامه وتسويق المشاريع التي كبدت خزانة الدولة المصرية مليارات الجنيهات وكانت سببًا في تدهور الأوضاع الاقتصادية وارتفاع مستويات الضخم في مصر إلى معدلات غير مسبوقة.

 

ومنذ اللحظة الأولى للانقلاب، أدرك السيسي أهمية دور الإعلام كأداة داعمة له، ودشن الأذرع الإعلامية المساندة له، التي قال إنها تحتاج إلى وقت لبنائها، وذلك عندما كان وزيرًا للدفاع.

 

وفي أغسطس 2014، لم يخف السيسي إعجابه الشديد بمنظومة الإعلام في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، على الرغم مما أثير حوله من انتقادات بسبب تغييب صوت المعارضة، قائلاً: "عبد الناصر كان محظوظ، لأنه كان بيتكلم والإعلام كان معاه".

 

وقد ترجم السيسي، ولعه الشديد بتجربة النظام الناصري، في السيطرة على فضائيات وصحف ومواقع إلكترونية وأصبح الإعلام في مصر "صوتًا واحدًا" يغرد بـ "إنجازته"، في إطار "الجمهورية الجديدة"، التي لا يعلو فيها صوت فوق صوته.

 

وفي سابقة غير معهودة، أسست المخابرات العامة، كيانًا إعلاميًا ضخمًا يضم العديد من القنوات الفضائية والصحف والمواقع الإلكترونية تحت اسم الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، التي لا تدخر جهدًا في "تلميع" و"تجميل" صورة النظام بشتى الطرق والوسائل.

 

على الرغم من رصد ميزانية ضخمة تقدر بمليارات الجنيهات لمنظومة الإعلام السلطوي في مصر، لكنها فشلت بحسب مراقبين في تحقيق الأهداف المأمولة، وبخاصة مع انصراف غالبية المواطنين عن متابعتها، والاتجاه إلى الإعلام الذي يبث من الخارج بحثًا عن الحقيقة.

 

كان ذلك مرجعه في الأساسي إلى حالة فقدان الثقة في الإعلام الموالي للانقلاب، الذي يتجاهل المواطن ولايعبر عن آماله وطموحاته في تحسين أوضاعه المعيشية، في ظل حالة الفقر والبؤس التي أصابت قطاعًا كبيرًا من المصريين كان محسوبًا حتى سنوات قليلة على "الطبقة المتوسطة".

 

وعلى ما يبدو، فقد أدرك السيسي فشل إعلامه في السير على الخطى المرسومة، وتظاهر بالانفتاح على إعلاميين وكتاب من ذوي التوجهات المعارضة في الداخل، أمثال عبدالعظيم حماد، وأنور الهواري، وإعادة تقديم الإعلامي الساخر باسم يوسف على الشاشات المصرية مجددًا، في محاولة لإعطاء انطباع مغاير لدى الرأي العام في مصر.

 

وأعلن السيسي خلال اجتماع في أغسطس الماضي عن خريطة طريق شاملة لتطوير الإعلام المصري، عبر الاستعانة بكل الخبرات والكفاءات المتخصصة، مع الاعتماد على الكوادر الشابة المؤهلة للعمل الإعلامي والانفتاح على مختلف الآراء، بما يرسخ مبدأ "الرأي والرأي الآخر" داخل المنظومة الإعلامية المصرية، بحسب مزاعمه.

 

وقبل أيام، أعلنت حكومة الانقلاب عن تشكيل لجنة لتطوير الإعلام تضم شخصيات عامة وخبراء ومسؤولين بوسائل إعلامية مختلفة برئاسة رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، وتتألف من 67 عضوًا، أثارت تساؤلات حولها وشكوكًا واسعة بشأن جدية الأهداف التي تم تشكيلها من أجلها، في ظل انتقادات لاختيار هذا الكم الكبير من الشخصيات، والاستعانة بوجوه لا تحظى بالقابلية حتى في الأوساط الإعلامية للعمل على إعداد خطة التطوير.

 

فيما تساءل إعلاميون عن جدوى تشكيل اللجنة في ظل الحصار الخانق الذي يعاني منه الإعلام المستقل والمعارض، ومع استمرار حجب مئات المواقع الإلكترونية، وتكميم أفواه الإعلاميين الذين يرفضون الانضمام إلى حظيرة "الإعلام التعبوي".

 

وقال الكاتب محمد أمين في مقال نشرته صحيفة "المصري اليوم"، تحت عنوان: "اشتغالة تطوير الإعلام!": "إننى أشعر بأن هذه اللجنة اشتغالة أقرب فى الشكل إلى لجان الحوار الوطنى الذى لم يسفر عن أى شىء، ويبدو أن هذه اللجنة أيضًا مستهدف منها أن تكون مكلمة أخرى تستهلك عامًا آخر، ثم تنتهى بلا أى عائد أو قيمة على الإعلام.. وهى واضحة من كثرة أعداد أعضاء اللجنة التى قد تحدث جلبة وخلافات أكثر مما تتيح جوًا هادئًا للنقاش العام"!.

 

وأضاف: "كانت المسألة سهلة لو صدرت تعليمات بإتاحة حرية العمل الإعلامى والصحفى وإتاحة المعلومات من مصادرها الرسمية، ساعتها ستتراجع الشائعات وتتراجع الأكاذيب لتظهر الحقيقة واضحة، وهى المطلوبة للعمل الصحفى والإعلامى.. كان من الممكن الكلام عن سرقة الآثار بدلًا من الكلام عن فرح بنت وعريسها!".

 

وتابع: "وهذا الأمر فى يد رئيس الوزراء لو أصدر تعليمات للوزراء بالرد على الصحافة، وعدم التعالى على الإعلام والتعاون معه بتقديم المعلومات المدققة وليس المنشورات والإنجازات.. فالصحافة ليست مهمتها أن تكتب إنجازات الحكومة، وإنما مهمتها أن تكتب مواجع الناس وتحملها للحكومة لحلها.. لو فعلنا هذا يتطور الإعلام بدون لجان رئيسية ولجان فرعية ولجان منبثقة!".