مع بداية تطبيق الحكومة برنامج الشقق البديلة لمستأجري الإيجار القديم، ضمن ما تصفه بمشروع لتنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر، تفجرت موجة من الانتقادات الواسعة من قبل المستفيدين المفترضين. فبين غياب المعلومات الدقيقة، وارتفاع الأسعار، وبُعد المواقع الجديدة عن أماكن السكن والعمل، وجد المستأجرون أنفسهم أمام تجربة يصفها البعض بأنها "إعادة إنتاج لمعاناة جديدة" بدلًا من كونها حلًا حقيقيًا.
غياب المعلومات وتضارب الأرقام
من أبرز الملاحظات على البرنامج، غياب الشفافية والتفاصيل الواضحة. كثير من المستأجرين أكدوا أنهم لا يعرفون على وجه الدقة مواقع الشقق البديلة، أو آلية التوزيع، أو حتى معايير الاختيار بين المتقدمين. ورغم الإعلان عن إتاحة التقديم عبر منصة إلكترونية ومكاتب البريد، فإن المنصة تفتقر إلى تحديثات دورية حول أعداد الوحدات المتاحة أو الرد على الشكاوى، مما خلق حالة من الارتباك والقلق بين الفئات المستهدفة.
أحد المستفيدين السابقين أشار في تصريح مصوّر إلى أنه لم يتلق أي رد بعد تقديم طلبه منذ أشهر، رغم استيفاء المستندات المطلوبة. الأمر الذي جعل كثيرين يشككون في جدية المشروع، ويرون أن التضارب بين ما يُعلن رسميًا وبين ما يواجهونه عمليًا هو أحد أسباب فشل التجربة.
كارثية الأسعار وعبء الفوارق
الانتقادات الأوسع تمحورت حول ارتفاع أسعار المتر للوحدات البديلة. فوفقًا للإعلانات الرسمية، تتراوح الأسعار بين 7 آلاف و25 ألف جنيه للمتر، وهو ما يفوق بكثير قدرات الفئة المستهدفة، التي تتكون في معظمها من محدودي ومتوسطي الدخل.
ويؤكد مستأجرون أن تلك الأسعار تجعل حلم السكن الجديد مستحيلًا، خاصة في ظل تآكل الدخول وارتفاع تكاليف المعيشة. ويشيرون إلى أن الحكومة تتجاهل حقيقة أن أغلب هؤلاء يسكنون في شقق بالإيجار القديم منذ عقود بأسعار زهيدة نسبيًا، وبالتالي لا يملكون القدرة على دفع أقساط ضخمة لشراء وحدة بديلة.
الأماكن البديلة.. عزلة اجتماعية ومعيشية
المعضلة الثانية التي فجرها البرنامج تتمثل في المواقع الجغرافية للوحدات السكنية. معظم الشقق المعروضة تقع في مناطق بعيدة على أطراف العاصمة والمدن الجديدة مثل بدر وأكتوبر، ما يعني أن الأسر ستضطر لتغيير مدارس أبنائها ووظائفها وشبكاتها الاجتماعية.
بعض الشهادات الميدانية الموثقة بالفيديو تكشف عن حالة من العزلة القسرية يعيشها من انتقلوا بالفعل، حيث ارتفعت تكاليف المواصلات بشكل كبير، وفقدوا روابطهم الاجتماعية، ما جعل الحياة اليومية أكثر صعوبة. ويطالب متضررون ببدائل قريبة من الأحياء الأصلية أو على الأقل إتاحة برامج تبادل سكني يخفف من حدة الانتقال القسري.
شهادات ميدانية.. "فنكوش جديد"
في تقارير صحفية ومقاطع مصورة، روى مستفيدون سابقون تجاربهم مع البرنامج. أحدهم وصفه بـ"الفنكوش الجديد"، مشيرًا إلى أن الأسعار غير واقعية، والمواقع بعيدة، والخدمات غائبة، مما يزيد الضغط النفسي على الأسر.
كما تحدثت أسر أخرى عن غياب أي دعم مالي أو لوجيستي يساعدهم على الانتقال، محذرين من أن استمرار السياسات الحالية قد يؤدي إلى توترات اجتماعية، خاصة أن ملف الإيجار القديم يمس ملايين الأسر في مصر.
الإجراءات الرسمية وآلية التقديم
وفقًا لوزارة الإسكان، يبدأ استقبال الطلبات لمدة ثلاثة أشهر عبر منصة إلكترونية خاصة، حيث يقوم المتقدم بإنشاء حساب شخصي، رفع المستندات مثل عقد الإيجار القديم وبطاقة الرقم القومي وشهادات الحالة الاجتماعية، ومن ثم تتبع حالة الطلب.
ويتيح النظام ـ نظريًا ـ الحصول على وحدة بديلة سواء عبر نظام التمليك أو الإيجار طويل الأجل. لكن شكاوى المواطنين تعكس أن الواقع مختلف تمامًا، إذ يواجهون تعقيدات بيروقراطية وعدم استجابة واضحة.
الخلاصة أن برنامج "الشقق البديلة لمستأجري الإيجار القديم" الذي رُوّج له كحل جذري لمشكلة ممتدة منذ عقود، يبدو حتى الآن مجرد مشروع غير مكتمل يفاقم المعاناة بدلًا من إنهائها. فارتفاع الأسعار، وبُعد المواقع، وغياب المعلومات الدقيقة، تجعل التجربة أقرب إلى "ترحيل للأزمة" لا حل لها. ويؤكد مراقبون أن استمرار النهج الحالي دون مراجعة جادة سيجعل الملف محل نزاع مفتوح، يهدد الاستقرار الاجتماعي ويضع الحكومة أمام مأزق جديد.