شهد قانون الإجراءات الجنائية في مصر مؤخراً موجة من التصريحات المتضاربة والمواقف المتذبذبة التي أعادت تسليط الضوء على حالة الخلاف الداخلي والتخبط داخل السلطة الحاكمة، وتحديداً بين قائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي، ووزير العدل عدنان فنجري، ورئيس برلمان الانقلاب حنفي جبالي، مما يعكس أزمة في صياغة وتنفيذ القوانين الحاسمة التي تؤثر على العدالة وحقوق المواطنين.
تصريحات وزير العدل: تراجع مُباغت وسجالات علنية
المستشار عدنان فنجري، وزير العدل، قدّم مواقف متقلبة خلال جلسات اللجنة والجلسة العامة (1–2 أكتوبر 2025).
في اجتماع اللجنة العامة بدا وزير العدل متمسّكاً بموقف تقني معين، ثم في الجلسة العامة أعلن، بحسب مراسلات الجلسة المسجلة صوتاً وصورة، أنه تراجع عن بعض ما صرح به أمام اللجنة، لكنه أشار في الوقت نفسه إلى أن ما ورد في مذكرته حول الاعتراض الرئاسي "لا يمكن العدول عنه" ويكرر حججاً فقهية عن صعوبة حصر حالات الخطر وضرورة ترك بعض الصلاحيات للنيابة.
هذا التلوّن أثار انتقادات داخل المجلس وفتح الباب لاتهامات بـ«ارتباك تقني وسياسي» في إدارة ملف قانون حساس.
فيما أشار إلى أن إعداد مشروع القانون في وضعه الحالي يمثل نقلة قانونية وقضائية هامة، لكنه استدرك أن الاعتراض الرئاسي لم يشمل سوى 8 مواد من أصل 552 مادة بالقانون، مشيراً إلى أن هذا الاعتراض فتح باب النقاش والمراجعة بين أعضاء البرلمان والحكومة.
رئيس البرلمان حنفي جبالي ودوره في الأزمة
رئيس البرلمان حنفي جبالي لعب دور الوسيط والتفسير الرسمي للاعتراضات، شكّر قائد الانقلاب السيسي على ممارسته لصلاحياته الدستورية في الاعتراض على 8 مواد من مشروع القانون، مؤكداً أن هذا يعكس إيمانه بمبادئ الديمقراطية وحرصه على صون دولة القانون، وأوضح أن الاعتراض لا يعد رفضاً كاملاً للقانون بل خطوة لإعادة النظر في بعض المواد بهدف تعزيز منظومة العدالة الجنائية، لافتاً إلى أن هذه المواد محل الاعتراض قيد الدرس من لجان البرلمان لإعداد تقرير نهائي.
السيسي ومواضعه الاعتراضية على القانون
قائد الانقلاب السيسي أعلن اعتراضه على 8 مواد من مشروع قانون الإجراءات الجنائية، مطالباً بتأجيل سريان العمل بالقانون إلى بداية العام القضائي الجديد في أول أكتوبر 2026، بدلاً من دخوله حيز التنفيذ مباشرة بعد نشره في الجريدة الرسمية، نظراً للحاجة لإنشاء مراكز إعلانات هاتفية في أكثر من 280 محكمة جزئية وتجهيزها بالشكل المطلوب.
جاءت اعتراضاته حول غياب تعريف دقيق لـ"الخطر" الذي يجيز دخول المنازل، مما قد ينتهك حرمة البيوت الدستورية، وكذلك عدم توافق بعض مواد القانون المتعلقة بالاستجواب مع اصول النيابة العامة، وغياب الضمانات عن الحبس الاحتياطي خاصة فيما يتعلق بفترات الحبس وأوامر إيداع المتهمين دون تحديد مدة أو شروط واضحة، إضافة إلى مسائل متعلقة بكفالة حق الدفاع وحق الترابط في الاستئناف، مما أثار قلق حقوقي كبير.
أسباب التخبط والتناقض
هذا التراجع والتضارب في التصريحات يعكس حالة من التخبط الواضح في صياغة قانون يعد من أهم التشريعات في منظومة العدالة الجنائية المصرية، ويكشف عن صراعات داخل السلطة الحاكمة ومؤسساتها التشريعية والتنفيذية.
وزير العدل يظهر في موقف متذبذب بين تأييد القانون وتأكيد اعتراضه على الاعتراضات الرئاسية، بينما يحاول رئيس البرلمان إيجاد توازن سياسي بين دعم رغبات السلطة التنفيذية والظهور بإطار ديمقراطي عبر الالتزام بمبادئ الحوار ومراجعة بعض المواد.
إحصاءات وبيانات حول قانون الإجراءات الجنائية
- القانون يتكون من 552 مادة.
- الاعتراض مؤقت على 8 مواد فقط.
- يُطالب قائد الانقلاب بتأجيل سريان القانون إلى أكتوبر 2026.
- أكثر من 280 محكمة جزئية تتطلب تجهيز مراكز إعلانات هاتفية.
- القانون يهدف لتسهيل إجراءات التقاضي وتحقيق العدالة الناجزة، لكنه أثار قلق حقوقي كبير بسبب مواد تتعلق بالحريات وحقوق المتهمين.
هل انتهت المسرحية أم بدأت الحلقة الجديدة؟
ما جرى في أول يومي إعادة طرح القانون (1–2 أكتوبر 2025) كشف عن مشهد مؤسساتي مترنّح: رئيس برلمان يطوّع اعتراض السلطة ليبدو دستوريّاً، وزير عدل يتلوّن بين الاجتماعات والمذكرات، ولجان برلمانية تتشكّل لتحويل القرار إلى عملية إدارية مطوّلة.
هذا ليس أخطاء تقنية فحسب، بل نموذج عمل متعمّد لإطالة عمر التشريع وإبقاء مفاتيح العدالة الفعلية بيد أجهزة السلطة.
هذا القانون الذي يُفترض أن يضمن العدالة الناجزة، أثار بدلاً من ذلك جدلاً واسعاً كشف هشاشة التنسيق الداخلي وعدم وضوح الرؤية، مما ينعكس سلباً على ثقة المواطن في المسار القضائي والتشريعي بالبلاد.
استمرار هذا الخلاف قد يؤخر تطبيق القانون ويعطل فصل القضاء بشكل مستقل ونزيه وهو ما تطالب به الجهات الحقوقية والسياسية من الداخل والخارج.
الدعوة الواضحة هنا: أن يتحمل قضاة مستقلون ومنظمات حقوقية مسؤولية ترصّد المواد محل الاعتراض ونشر التحليلات الموضوعية، وأن لا تُختزل الحقوق بصفقات مؤسسية تُعاد وتُكرّر على حساب المواطنين والمحتجزين.