أثار إعلان كل من بريطانيا وكندا وأستراليا والبرتغال اعترافها الرسمي بدولة فلسطين موجة غضب داخل الأوساط السياسية الإسرائيلية، تجلت بوضوح في خطاب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي أكد بشكل قاطع أن "لن تكون هناك دولة فلسطينية".

ووصف نتنياهو الخطوة الغربية بأنها "مكافأة للإرهاب"، متوعدًا باتخاذ إجراءات رد اعتبارية عقب عودته من الولايات المتحدة، دون أن يكشف عن طبيعة هذه الإجراءات، في موقف يعكس اعتماد إسرائيل المتزايد على الدعم الأمريكي كحاجز دبلوماسي أمام أي تحرك دولي يكرّس الاعتراف بالدولة الفلسطينية.

هذا التصعيد الإسرائيلي يأتي في وقت تتزايد فيه الضغوط الدولية لإعادة إحياء حل الدولتين، وسط تراجع الثقة في قدرة الحكومة الإسرائيلية الحالية على الانخراط في مسار تفاوضي جاد، خاصة في ظل تصاعد العمليات العسكرية في غزة وتوسع الاستيطان في الضفة الغربية.

بدورها؛ لم تكتف وزارة خارجية الاحتلال بالتنديد، بل ذهبت إلى اتهام أطراف خارجية بالتأثير على القرار البريطاني، معتبرة أن الخطوة جاءت بتشجيع من جماعة “الإخوان المسلمين” في المملكة المتحدة، ما يعكس محاولة لتصوير الاعتراف ليس كجزء من تحول سياسي عالمي، وإنما كنتيجة لاختراق أيديولوجي معادٍ للكيان.

وفي السياق ذاته؛ استخدم الخطاب الإسرائيلي لغة نفي كاملة لإمكانية قيام دولة فلسطينية، إذ جرى التأكيد على أن الاعتراف لا يغير شيئًا في “الواقع على الأرض”، بما يوحي أن “تل أبيب” ستتعامل معه كخطوة رمزية لا أثر لها، لكنها في الوقت نفسه عبّرت عن قلق شديد من دلالاته السياسية والدبلوماسية.

 

اندفاع يميني نحو خطوات أحادية

وفي السياق ذاته؛ كشفت ردود وزراء اليمين المتطرف عن اتجاه نحو تحويل الاعتراف إلى ذريعة لتسريع مشاريع الضم وفرض السيادة. فقد اعتبر ما يسمى بـ”وزير الأمن القومي الإسرائيلي” إيتمار بن غفير الخطوة “مكافأة للقتلة”، داعيًا إلى سحق السلطة الفلسطينية وفرض السيادة الكاملة على الضفة الغربية. وهي لغة تكشف أن التيار الديني القومي يرى في الاعتراف فرصة لتبرير سياسات أكثر تطرفًا بدلًا من مراجعة الفشل السياسي.

من جانبه؛ أعاد وزير مالية الاحتلال بتسلئيل سموتريتش إنتاج خطاب اليمين التقليدي ضد الغرب، مؤكدًا أن “أيام تحديد بريطانيا لمستقبل إسرائيل قد ولّت”، ومشددًا على أن الرد يجب أن يكون عبر فرض السيادة على “يهودا والسامرة”.

وتكشف تصريحات سموتريتش أيضًا عن توظيف اللحظة لإحياء أجندة قديمة بضم الضفة الغربية، وتحويل الصراع مع المجتمع الدولي إلى ورقة ضغط داخلية لتعزيز قاعدته السياسية.

أما وزير الثقافة والرياضة ميكي زوهار؛ فقد صبغ الموقف بلهجة أيديولوجية أكثر حدة، معتبرًا أن الاعتراف “تفوح منه رائحة معاداة السامية”، وأن الرد الوحيد هو فرض السيادة الإسرائيلية. وهو خطاب يربط بين الموقف السياسي الأوروبي وبين العداء التاريخي لليهود، في محاولة لاستثارة رواية الضحية من جديد لمواجهة الضغوط الدولية.

 

خطاب أمني وتحذيرات وجودية

ولجأ عدد من الوزراء الإسرائيليين إلى الخطاب الأمني لتبرير رفضهم القاطع للاعتراف الدولي. فقد حذّر وزير الطاقة مثلًا من أن الدولة الفلسطينية ستكون “أداة بيد حماس وإيران”، بما يهدد أمن “إسرائيل” ويكرر ما جرى في غزة. وهو طرح يستهدف الرأي العام الإسرائيلي لإقناعه بأن أي دولة فلسطينية هي بالضرورة تهديد وجودي لا مشروع سياسي قابل للتعايش.

كما سعى وزير الخارجية جدعون ساعر إلى التقليل من شأن الخطوة بالقول إن معظم دول العالم سبق أن اعترفت بدولة فلسطين، وإن ما جرى لم يغير شيئًا. لكنه في الوقت نفسه هاجم الدول التي أعلنت اعترافها بعد السابع من أكتوبر واصفًا القرار بـ”الشائن”، معيدًا التأكيد على أن مستقبل “أرض إسرائيل” سيُحسم في القدس وليس في لندن أو باريس.

وينسجم هذا الخطاب مع الخطاب الرسمي الإسرائيلي التقليدي الذي يرفض أي تدخل خارجي في تحديد مستقبل الأراضي المحتلة، لكنه في الوقت ذاته يكشف عن مأزق دبلوماسي متصاعد، إذ تجد “إسرائيل” نفسها في مواجهة مع موجة اعترافات جديدة لا يمكن تجاهلها، وإن حاولت حصرها في خانة التهديد الأمني.

 

بين تحميل المسؤولية وتوصيف الفشل

على الضفة الأخرى من المشهد السياسي؛ لم تتردد المعارضة في استثمار الاعتراف الدولي لتوجيه انتقادات حادة للحكومة، حيث رأى يائير لابيد (زعيم المعارضة) أن الحكومة التي جلبت “أخطر كارثة أمنية” تجلب الآن أخطر أزمة سياسية، في إشارة إلى أن الاعتراف الدولي هو نتيجة مباشرة للسياسات الأمنية الفاشلة في عهد نتنياهو.

أما زعيم حزب الديمقراطيين الإسرائيلي يائير غولان؛ فقد وصف الاعتراف بأنه “فشل سياسي ذريع” للحكومة الحالية، مؤكدًا أن سياسات نتنياهو وسموتريتش هي التي أوصلت “إسرائيل” إلى هذا المأزق. وبرأيه فإن الاعتراف الدولي لا يهدد “إسرائيل” فقط خارجيًا، بل يكشف عجز الحكومة عن بناء أي تحالفات مؤثرة في مواجهة المواقف الدولية.

وبذلك رسمت المعارضة صورة مغايرة، فهي لم تركز على اتهام الخارج أو التلويح بالمخاطر الأمنية، بل حمّلت الحكومة مسؤولية مباشرة عن الانعزال الدولي، في تباين يعكس حالة الانقسام العميق داخل الكيان، ويكشف أن الاعتراف الدولي لم يشكل فقط تحديًا دبلوماسيًا، بل عمّق الشرخ الداخلي حول خيارات المستقبل.