دخلت مصر عام 2025 وسط موجة غلاء غير مسبوقة أثرت بشكل مباشر على كافة الطبقات الاجتماعية، خصوصاً مع بداية العام الدراسي الذي زاد من أعباء الأسر المصرية.

سجل معدل التضخم السنوي في المدن المصرية ارتفاعاً لنسبة 13.9% في أبريل، وتوقع الخبراء أن يصل التضخم السنوي إلى 25% بحلول سبتمبر 2025، وهو ما يزيد من صعوبة الحياة للمواطنين في ظل تآكل القدرة الشرائية ويعكس فشل السياسات الاقتصادية لحكومة الانقلاب العسكري المصري، التي ارتبطت ارتباطاً وثيقاً باتفاقيات صندوق النقد الدولي وشروطه التقشفية دون مراعاة الأوضاع الاجتماعية.

 

ارتفاع أسعار الوقود وأثرها المتسارع

حالة الغلاء الكبرى في مصر بدأت أساساً بقرار حكومة الانقلاب رفع أسعار الوقود بنسبة وصلت إلى 15% في بعض الفترات، وذلك ضمن التزاماتها مع صندوق النقد الدولي.

أدى هذا الرفع إلى زيادة فورية في تكاليف النقل والإنتاج، مما انعكس مباشرة على أسعار السلع الغذائية والخدمات الأساسية.

على سبيل المثال، قفز سعر السولار بنسبة 17% ليصل إلى 13.50 جنيه للتر، وارتفع بنزين 95 إلى 19 جنيهاً، والبنزين 92 إلى 17.25 جنيهاً، والبنزين 80 إلى 15.75 جنيهاً للتر في 2025.

هذا العبء على الوقود زاد من الأزمات الاقتصادية ورفع الأسعار إلى مستويات لم يشهدها المواطن منذ سنوات عديدة.

 

تداعيات سياسات صندوق النقد الدولي

شروط صندوق النقد الدولي تلعب دوراً رئيسياً في هذه الأزمة، إذ أجبرت مصر على تحرير سعر الصرف وخفض الدعم الحكومي على الوقود والكهرباء، مما أدى إلى ارتفاع غير مسبوق في تكلفة المعيشة.

رفع الدعم كان من أسباب تفاقم التضخم خاصة عند الفئات الفقيرة والمتوسطة، التي تبلغ نسبتها الأكبر في مصر.

كما أدت برامج الاقتراض وزيادة مدفوعات الفائدة إلى المزيد من الإجراءات التقشفية، مثل زيادة الضرائب والرسوم الحكومية وتوسيع القاعدة الضريبية، مما زاد من الضغوط المالية على المواطنين والشركات، ورفع تكلفة المنتجات النهائية بشكل واضح.

 

تدهور القدرة الشرائية وارتفاع معدلات الفقر

غالبية التقارير الاقتصادية تؤكد أن هذه السياسات القاسية على المواطن أدت إلى تراجع حاد في مستوى المعيشة، فقد كشف جهاز التعبئة العامة والإحصاء عن زيادة معدل التضخم من 12.8% في فبراير إلى 13.9% في أبريل 2025، مع تضخم بنسبة متوقعة تصل إلى 25% في سبتمبر، وتدهور القدرة الشرائية، ترتفع معدلات الفقر وتزداد أعداد الأسر التي تعاني من انعدام الأمن الغذائي والاقتصادي.

دراسات مستقلة أظهرت ارتفاع رفض غالبية المصريين لاستمرار حكم السيسي، متعلقة أساساً بالأزمة الاقتصادية وموجة الغلاء، حيث يصل الرفض إلى أكثر من 70% حسب بعض الاستطلاعات.

أمهات وآباء تحدثوا لوسائل إعلام محلية عن ارتفاع أسعار أقلام الرصاص، الحقائب، والكتب، وبعض السلع التي كانت تُشترى سابقاً بعشرات الجنيهات وصلت إلى مئات الجنيهات.

بالإضافة إلى ذلك، زيادات النقل المدرسي وارتفاع أسعار الوقود رفع فاتورة التنقّل اليومية، ما يجعل الأسرة مترددة بين تقليص مشتريات ضرورية أو تحمل ديون مؤقتة.

تقارير ميدانية تشير إلى تغيّر سلوك المستهلكين؛ تقليل الكميات، إعادة استخدام مستلزمات الأعوام السابقة، أو تأجيل تسجيل أبناء في أنشطة مدرسية مدفوعة.

 

مقارنة بين القدرة الشرائية.. عهد مرسي مقابل الانقلابي السيسي

خلال حكم الدكتور محمد مرسي (من يونيو 2012 حتى يوليو 2013)، كانت مصر تمرّ بفترة انتقالية سياسية واقتصادية، ولكن بعض البيانات تُشير إلى أن التضخم والأسعار كانت أقل رشداً في كثير من السلع الأساسية مقارنة بالوضع الراهن، خاصة أدوات المدارس والمستلزمات المكتبية.

  • معدّل ارتفاع الأجور: جهاز التعبئة العامة والإحصاء (CAPMAS) أفاد أن الأجور الأسبوعية المتوسطة في مصر نمت بنسبة حوالي 20% عام 2012 مقارنة بعام 2011، مع ارتفاع خاص في الأجور بقطاع الدولة بنسبة تقريباً 29%، بينما القطاع الخاص في الشركات التي تحتوي على أكثر من 10 موظفين شهد انخفاضاً طفيفاً في الأجور في بعض الحالات.
  • التضخّم وقتها: أحد التقارير من CAPMAS يشير إلى أن التضخّم السنوي للمدن كان حوالي 13% في نوفمبر 2012، وهو معدل مرتفع، لكنه أقل بكثير مما نعاني منه اليوم من زيادات في بعض السلع الأساسية والكتب والقرطاسية.

 

أسعار الأدوات المدرسية والحقائب والكتب

في 2012، كان يُمكن العثور على شنط مدرسية أساسية بأسعار منخفضة نسبياً مثل 25-60 جنيهًا بحسب الجودة والمكان، بينما الحقائب ذات الماركات الأعلى كانت أغلى لكن لا تزال في مدى يمكن لبعض الأسر المتوسطة تحمّله.

كذلك، أسعار الأدوات البسيطة مثل الأقلام أو دفاتر التمرين كانت أقلّ من الآن بكثير، مع أن زيادة الدولار والاستيراد أثّرت عليها حتى وقت مرسي، لكنها لم تغرق السوق بالزيادات المتتالية الحالية، ولا توجد بيانات مفصّلّة دقيقة لكن هناك إشارات لارتفاعات متوسطة وليست “القفزات السعرية” التي نراها الآن.

القدرة الشرائية: حينها، زيادة الأجور العامة دفعت بعض الأسر أن تتمكن من شراء المستلزمات الأساسية، ولم تكن الفجوة بين الدخل والأسعار متسعة كما اليوم في ظل تضخّم مركَّب من تسعير الوقود، استيراد السلع الخام، وارتفاع الدولار.

 

تعقيدات العوامل الدولية والإقليمية

الأزمات الجيوسياسية مثل الحرب في أوكرانيا والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، كان لها أثر كبير في زيادة أسعار السلع الأساسية عالمياً.

مصر التي تعتمد بشكل كبير على الاستيراد تأثرت مباشرة بهذه التقلبات، مما زاد من تكلفة السلع والمواد الخام في الأسواق المحلية. كما أدت التوترات السياسية والدبلوماسية إلى تعقيد الوضع الاقتصادي مما انعكس سلباً على الاستقرار الاجتماعي والتنمية الوطنية.

 

انتقادات سياسية واقتصادية لحكم السيسي

السياسيون والمعارضون في مصر يشيرون إلى أن سياسات قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي الاقتصادية تخدم المصالح الدولية بشكل أكبر من مصالح الشعب.

تقارير من هيئات حقوقية دولية ومحلية رصدت انحياز نظام الانقلاب إلى سياسات التقشف دون توفير الحماية اللازمة للأكثر ضعفاً.

من جانب آخر، اقتصاديون بارزون وصفوا الإجراءات الحكومية بأنها غير كافية وتفاقم الأزمة، مؤكدين أن رفع الدعم وتحرير سعر الصرف لم يصحبه أي برامج دعم اجتماعي كافية.

تصريحات من مسؤولين سابقين في الحكومة ومحللين اقتصاديين يكررون أن تسلسل رفع الأسعار يشكل قنبلة اجتماعية موقوتة.

تثبت هذه الأرقام والحقائق أن نموذج حكم عبد الفتاح السيسي فشل في تحقيق استقرار اقتصادي واجتماعي في مصر، ولم يقدم حلولاً حقيقية لتخفيف معاناة المواطنين، بل على العكس، أدت سياساته إلى تفاقم موجة الغلاء، وارتفاع معدلات التضخم، وتراجع كبير في القدرة الشرائية، مما يجعل بداية كل عام دراسي حلقة جديدة في دائرة الفقر والاحتقان.

المستخلص إزاء ذلك أن مصر بحاجة إلى مراجعة شاملة لسياساتها الاقتصادية والاجتماعية بعيداً عن شروط صندوق النقد الدولي، مع اتخاذ خطوات جادة لتعزيز العدالة الاجتماعية وحماية الفئات الأكثر تضرراً.