في مفارقة لافتة، أعلنت جهات إماراتية عن خطط لتطوير مجمع نجع حمادي للألومنيوم، أعرق المصانع في صعيد مصر وأحد أعمدة الصناعة الوطنية منذ ستينيات القرن الماضي. يأتي هذا في وقت يواجه فيه المصنع أزمات متراكمة، ما يثير التساؤلات حول ما إذا كانت الخطوة الإماراتية مجرد "استثمار" أم بداية مسار يفضي إلى ابتلاع واحد من أهم القلاع الصناعية في مصر.

 

إرث تاريخي يفوق عمر الإمارات نفسها

تأسس مصنع نجع حمادي للألومنيوم عام 1975 بدعم من الاتحاد السوفيتي، ليكون الأكبر في المنطقة العربية وأفريقيا في مجال صناعة الألومنيوم. وارتبط اسمه لسنوات بالنهضة الصناعية التي سعت الدولة المصرية لتحقيقها بعد بناء السد العالي، إذ اعتمد المصنع على الطاقة المولدة من السد لتشغيل خطوط إنتاجه. ومن المفارقات أن المصنع أقدم من دولة الإمارات نفسها التي تأسست عام 1971، وهو ما يجعل الحديث عن "تطويره" من قبلها محمّلًا برمزية تعكس التحولات العميقة في موازين القوى الاقتصادية.

 

أزمات متراكمة في قلب المصنع

على مدار السنوات الماضية، عانى مجمع نجع حمادي من مشكلات مالية وتشغيلية متواصلة. فارتفاع أسعار الطاقة، وتراجع كفاءة بعض خطوط الإنتاج، وضعف الصيانة الدورية، كلها عوامل أضعفت قدرته التنافسية. كما أن انخفاض نصيب العمال من الأرباح وتدني الحوافز أدى إلى تصاعد الاحتجاجات العمالية، كان آخرها إضراب آلاف العمال للمطالبة بتحسين الأجور وظروف العمل. ويؤكد خبراء الصناعة أن غياب رؤية حكومية متكاملة لتطوير المصنع ساهم في تفاقم الأزمة، مما جعله عرضة للتدخل الخارجي.

 

الاستحواذ عبر بوابة "التطوير"

يرى المحلل الاقتصادي هشام إبراهيم أن الحديث عن تطوير المصنع من قبل الإمارات لا يمكن عزله عن سياسة أبوظبي المتبعة منذ سنوات في الاستحواذ على أصول استراتيجية في مصر، خصوصًا في قطاعات الطاقة والموانئ والصناعة الثقيلة. ويشير إلى أن "التطوير" غالبًا ما يكون مجرد مقدمة لصفقات استحواذ كاملة، يتم خلالها السيطرة على الإدارة والتوجيه، قبل أن تتحول الأصول المصرية تدريجيًا إلى أداة بيد المستثمر الأجنبي.

 

دلالات سياسية واقتصادية

لا يقتصر الأمر على البعد الاقتصادي فقط، بل يحمل أبعادًا سياسية أيضًا. فمصر، التي تواجه أزمة اقتصادية خانقة وتراجعًا في احتياطيات النقد الأجنبي، تجد نفسها مضطرة لفتح الباب أمام استثمارات خارجية بأي شروط. ويستغل الجانب الإماراتي هذه الحاجة لفرض شروط مريحة تضمن له السيطرة على أصول استراتيجية. ويرى الخبير السياسي حسن نافعة أن ما يحدث يعكس خللًا في أولويات الدولة المصرية التي تفقد تدريجيًا أدواتها السيادية في إدارة الاقتصاد الوطني.

 

مخاوف من "ابتلاع" الصناعة الوطنية

من داخل المصنع، يعبّر عمال وخبراء عن قلق متزايد من أن التطوير الإماراتي قد يؤدي إلى فقدان الهوية الوطنية للمجمع. فإضافة إلى المخاوف من خصخصة تدريجية، هناك تساؤلات حول مستقبل العمالة المحلية: هل ستبقى على حالها أم سيتم الاستغناء عن جزء منها بحجة "التحديث"؟ كما يخشى خبراء أن يؤدي إدخال شريك خارجي مسيطر إلى ربط المصنع بسياسات خارجية قد لا تخدم المصلحة الوطنية المصرية.

 

دروس من تجارب سابقة

تاريخ الاستثمارات الإماراتية في مصر يقدم شواهد عديدة على أن الأمر لا يتوقف عند "التطوير". ففي قطاعات مثل الموانئ والعقارات والطاقة، تحولت الاستثمارات تدريجيًا إلى سيطرة شبه كاملة، ما أدى إلى تراجع نفوذ الدولة في إدارة هذه القطاعات. ويرى الاقتصادي ممدوح الولي أن مصنع نجع حمادي قد يسير في نفس المسار إذا لم يتم وضع ضمانات واضحة تضمن استمرار ملكيته وإدارته تحت إشراف الدولة المصرية.

 

مستقبل الصناعة الثقيلة على المحك

تثير هذه التطورات تساؤلات جوهرية حول مستقبل الصناعة الثقيلة في مصر. فإذا كان أقدم وأهم مجمع صناعي في صعيد مصر معرّضًا للاستحواذ الخارجي، فما الذي يتبقى من شعار "التصنيع الوطني" الذي رفعته الدولة منذ عقود؟ ويؤكد خبراء أن الحفاظ على مصنع نجع حمادي ليس مجرد مسألة اقتصادية، بل قضية سيادة وطنية ترتبط بحق الأجيال القادمة في امتلاك أدوات إنتاجها.

وفي النهاية فإنه بين أزمات متراكمة وسياسات اقتصادية مرتبكة، يجد مصنع نجع حمادي نفسه اليوم على أعتاب مرحلة جديدة قد تغيّر وجهه بالكامل. فبينما تُقدَّم الخطوة الإماراتية كـ"تطوير"، يرى كثيرون أنها محاولة للاستحواذ على أحد أعمدة الصناعة الوطنية. ويبقى السؤال: هل ستتمكن الدولة من حماية ما تبقى من قلاعها الصناعية، أم أن حاجتها إلى السيولة ستجعلها تفرّط في آخر رموز مشروعها الصناعي الذي سبق في عمره دولًا بأكملها؟