رغم الحرب المستمرة على غزة وما تشهده من إبادة ودمار غير مسبوق، كشفت تقارير إعلامية عن ارتفاع أعداد السياح الإسرائيليين المتدفقين إلى سيناء، في مشهد يعكس مفارقة حادة: فبينما تتعرض غزة لأبشع الجرائم الإسرائيلية بحق المدنيين، تستقبل مصر آلاف الإسرائيليين على أرضها، في وقت تحشد فيه قواتها العسكرية على الحدود تحسبًا لأي نزوح فلسطيني جماعي من القطاع.
تدفق سياحي مثير للجدل
تشير الأرقام إلى أن مصر باتت ضمن قائمة الوجهات المفضلة للسياح الإسرائيليين، خصوصًا في سيناء حيث يفضلون المنتجعات المطلة على البحر الأحمر. هذه الظاهرة تتصاعد عامًا بعد عام، لكن حضورها الآن يثير جدلًا واسعًا نظرًا للتوقيت الحساس الذي تمر به المنطقة. فبينما يتعرض الفلسطينيون في غزة لمجازر متواصلة، يظهر المشهد في سيناء وكأن الأوضاع طبيعية، بما يوحي بوجود فصل بين ما يجري من جرائم وما يُفتح من أبواب سياحية.
https://www.facebook.com/watch/?v=1269899594550048
سيناء.. وجهة مفضلة للإسرائيليين
منذ توقيع اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل عام 1979، ظلت سيناء مقصدًا رئيسيًا للسياحة الإسرائيلية، خصوصًا في فترات الأعياد اليهودية. ويستغل كثير من الإسرائيليين سهولة العبور عبر معبر طابا إلى مدن مثل دهب وشرم الشيخ ونويبع. ويرى خبراء أن هذا التدفق ليس مجرد نشاط اقتصادي، بل يحمل أبعادًا سياسية وأمنية، إذ يعكس قبولًا ضمنيًا بوجود الإسرائيليين في مصر رغم حالة الغضب الشعبي العارم تجاه سياسات الاحتلال.
مفارقة بين الضحايا والاستقبال
يتزامن هذا التدفق السياحي مع تقارير تفيد باستعداد الجيش المصري لنشر ما بين 30 و40 ألف جندي في مناطق متاخمة للحدود مع غزة، تحسبًا لاحتمال نزوح جماعي للفلسطينيين تحت وطأة القصف الإسرائيلي. هذا المشهد يخلق تناقضًا صارخًا: من جهة، مصر تستعد عسكريًا لصد تدفقات الجرحى والجوعى والمشردين الفلسطينيين، ومن جهة أخرى تفتح حدودها لاستقبال سياح إسرائيليين يستمتعون على شواطئ سيناء، في صورة تثير غضبًا واسعًا على المستويين الشعبي والإقليمي.
تهديدات أمنية متصاعدة
الخبير الأمني سامح عيد يرى أن تدفق السياح الإسرائيليين في هذا التوقيت يضاعف من المخاطر الأمنية، خاصة أن سيناء لم تتعافَ بالكامل من تهديدات التنظيمات المسلحة. ويؤكد أن وجود أعداد كبيرة من الإسرائيليين قد يجعل المنطقة هدفًا لأي هجوم إرهابي محتمل، ما يضع السلطات المصرية في مأزق أمني كبير. كما يشير إلى أن حالة الاحتقان الشعبي قد تُترجم في شكل توتر اجتماعي أو احتجاجات، خصوصًا مع تزايد الإدراك بأن الحكومة تمنح الإسرائيليين أولوية دخول بينما يُضيّق على الفلسطينيين.
البعد السياسي للتطبيع السياحي
يرى المحلل السياسي حسن نافعة أن استمرار استقبال السياح الإسرائيليين في ظل ما يجري في غزة لا يمكن فصله عن مسار التطبيع الاقتصادي الذي تمضي فيه بعض الدول العربية. فالسياحة، في النهاية، ليست نشاطًا بريئًا بل هي أداة سياسية تستخدمها إسرائيل لتكريس فكرة "العلاقات الطبيعية" مع محيطها العربي، حتى في لحظات ارتكابها جرائم حرب. ويضيف أن هذا السلوك يبعث برسائل سلبية للشعوب، مفادها أن مصالح الاقتصاد تتقدم على حساب التضامن مع القضية الفلسطينية.
انعكاسات شعبية
على المستوى الشعبي، يتصاعد الغضب في مصر والعالم العربي إزاء هذا التناقض. فبينما تتدفق صور المجازر والدمار من غزة، يتابع المواطنون أخبار السياح الإسرائيليين الذين يقضون عطلاتهم في شرم الشيخ ودهب. هذا المشهد يُفسر من قبل كثيرين على أنه شكل من أشكال "التطبيع غير المعلن"، ويثير أسئلة عن مدى التزام الدولة بدورها التاريخي في الدفاع عن القضية الفلسطينية.
مخاوف على صورة مصر
الخبير الاقتصادي محمود عبد الفضيل يحذر من أن المكاسب المالية قصيرة المدى من السياحة الإسرائيلية قد تنعكس سلبيًا على صورة مصر في العالم العربي. فبينما تسعى الدولة لتقديم نفسها كوسيط محايد أو داعم للقضية الفلسطينية، فإن استقبال الإسرائيليين على أراضيها بالتزامن مع المجازر قد يضر بسمعتها ويضعف من مكانتها السياسية والإقليمية.
التدفق السياحي الإسرائيلي إلى سيناء في هذا التوقيت الحساس يطرح أسئلة صعبة: هل يمكن لمصر أن تفصل بين دورها كدولة تستقبل السياح وبين التزاماتها القومية تجاه فلسطين؟ وهل تستطيع أن تحافظ على أمنها القومي وسط هذا التناقض بين الاستعداد لصد نزوح الفلسطينيين وبين استقبال الإسرائيليين على شواطئها؟