قبل يومين، زار وزير الخارجية والهجرة المصري د. بدر عبد العاطي السعودية، والتقى بكل من وزير الصناعة والثروة المعدنية السعودي بندر بن إبراهيم الخريف، وكذلك وزير التجارة السعودي ماجد القصبي. خلال هذه اللقاءات صدرت بيانات وتصريحات تؤكد رغبة الطرفين في تعزيز التعاون الصناعي والاستثماري، خاصة في قطاعات مثل التعدين، صناعة السيارات، الأدوية، الصناعات الغذائية، والطاقة الجديدة والمتجددة.

عبد العاطي أشاد بتطورات الصناعة في السعودية في إطار رؤية 2030، وأعرب عن التطلع لجذب المزيد من الاستثمارات السعودية إلى مصر، مشيراً إلى إصلاحات تشريعية واقتصادية تجريها القاهرة لتسهيل الاستثمار، منها ما يتعلق بتحسين البيئة الاستثمارية، وتفعيل الرخصة الذهبية، وتوحيد سعر الصرف، وتيسير تحويل الأرباح بالعملة الصعبة.
 

غياب كامل الوزير: ملاحظات وتساؤلات
ما أثار دهشة متابعي الشأن السياسي المصري هي غياب تمام لوزير الصناعة والنقل المصري، كامل الوزير، عن هذه الجولة السعودية الرسمية، رغم أنه من المفترض أن يكون في دائرة اهتمام اللقاءات الصناعية والاقتصادية المعلنة، خصوصاً بعد الزيارة التي قام بها في أغسطس الماضي إلى الرياض، والتي تم فيها الاتفاق على ملفات في البتروكيماويات، والمواد الأولية، وصناعة السيارات الكهربائية، وغيرها.

الغياب هو أمر لا يُمكن تجاهله، لأنه يعطي مؤشراً على أن هناك أموراً غير معلنة، أو ربما تداعيات داخلية أو تفاوضية أو حتى خلافات قد تؤثر على توازن الأدوار في الحكومة.
 

هل هناك فيتو سعودي على كامل الوزير؟
حتى الآن، لا توجد تأكيدات رسمية بأن السعودية فرضت فيتو على كامل الوزير بسبب أي مشادة كلامية مع تركي آل الشيخ أو أي طرف آخر. البحث في المصادر المتاحة لم يُظهر تصريحات سعودية أو مصرية تفيد بذلك مباشرة. ما يُثار في الصحافة ومنصات التواصل هو شائعات، مستمدة من الخلافات المعلنة بين كامل الوزير وتركي آل الشيخ سابقاً، لكن لا يوجد سند علني حتى الآن أو مصدر حكومي يؤكد أن هذه الخلافات أدّت إلى منع مشاركته.
 

هل يمهد هذا لإاقالة كامل الوزير؟ مقارنة بحالة عباس كامل
في الإعلام المصري، هناك من يربط بين هذا الغياب وسيناريوهات سابقة شهدتها البلاد، منها ما يتعلق بتغيير شخصيات رفيعة بعد خلافات أو أزمات، على غرار ما حصل مع عباس كامل. لكن حتى الآن لا توجد مؤشرات قوية تفيد بأن هناك قراراً بزوال كامل الوزير من المنصب. الأهم في هذا اللحظة أن دوره لم يُبرز في هذه الزيارة، ما يفتح الباب أمام التكهنات، لكنه لا يعني بالضرورة إقالة وشيكة.
 

الدلالات والتداعيات المحتملة

  • رسالة سياسية سعودية-مصرية: زيارة عبد العاطي واستعراض التعاون الصناعي تأتي في توقيت حساس، ربما لإظهار قدرة العلاقات الاقتصادية على تجاوز الخلافات الداخلية أو الملفات الشائكة، وتأكيد استمرارية الشراكة الاستراتيجية.
  • تركيز على الاستثمار الأمني والسيادي: التصريحات تشير إلى رغبة مصر في جذب استثمارات ليس فقط تقليدية بل تلك المرتبطة بسلاسل التوريد الاستراتيجية، التكنولوجيا، التصنيع المتقدم، وهو ما يتطلب وجود وزير صناعة نشط ومشارك في كل جولة صناعية واقتصادية مع الشركاء العرب.
  • خطر الإشاعات السياسية: غياب الوزير كامل عن اللقاءات الرسمية الصناعية يُستخدم كبداية لإشاعات قد تتضخم إذا لم يتم توضيح الأمر رسمياً، سواء عبر الحكومة المصرية أو من وزارة الصناعة. المواطن أو المستثمر قد يرى في هذا الغياب مؤشراً على نزاع داخلي أو ضعف في التنسيق.
     

تقييم الخبراء والسيناريوهات المتوقعة
من الظاهر أن الحكومة تميل في الوقت الحالي إلى إبراز الجانب الدبلوماسي للعلاقات مع السعودية عبر وزارة الخارجية، ربما لتمهيد لخطوات استثمارية كبيرة تحتاج للتنسيق الأمني والسياسي أولاً.

وإذا كانت هناك نية حقيقية لإقالة كامل الوزير، فإنه من المحتمل أن يتم ذلك في إطار ترتيب حكومي أوسع وليس استجابة لشكوى سعودية فقط، لأن العلاقات الاقتصادية والسياسية الاستراتيجية بين البلدين كبيرة بحيث لا تُدار عبر شخصية واحدة فقط.

السيناريو المرجح هو حدوث بعض التغييرات الجزئية، وربما إعادة توزيع للمهام أو تعزيز دور هيئة الاستثمار أو الوزارة، دون تغيير كلي مباشر حتى إشعار آخر، إلا إذا ظهرت أدلة أو تصريحات رسمية بهذا الاتجاه.

وفي ضوء ما سبق فغياب كامل الوزير عن زيارة بدر عبد العاطي إلى السعودية أثار كثيراً من الدهشة والتساؤلات، خاصة في ظل الأهمية الكبيرة التي أولتها اللقاءات الاستثمارية والصناعية. لكن حتى الآن لا يوجد دليل موثوق على وجود فيتو سعودي عليه أو نية رسمية لإقالته. ما هو واضح أن الحكومة تُركّز على استعراض شراكات اقتصادية ضخمة، وأن ملف الصناعة في مصر يدخل مرحلة تحتاجُ فيها حضوراً قوياً وفعّالاً من كل المعنيين، وهو ما قد يضع كامل الوزير تحت ضغط الاختبار العملي، لا مجرد التحفظات السياسية. الزمن القادم سيكشف إن كانت هذه زيارة عابرة أم مؤشّراً لبداية عهد جديد في التغييرات الحكومية.