في فبراير 2019، تم ضبط سيارة ملاكي وتروسيكل في محيط مطار الأقصر الدولي يحتويان على عدد من القطع الأثرية المهمة، منها تمثال لرجل جالس ووجه للإلهة حتحور وتمثال أسد يزن حوالي 150 كيلوغرامًا.
بعد الفحص الفني الذي أجرته لجنة تابعة لوزارة الآثار، اعتُبرت هذه المضبوطات أثرية تابعة للدولة، بناءً على ذلك، تم القبض على خمسة متهمين بينهم ثلاثة موظفين بمطار الأقصر، وُوجهت لهم اتهامات الشروع في تهريب آثار.
سبق أن أصدرت محكمة جنايات الأقصر حكمًا بالسجن المشدد 15 عامًا وغرامة مليون جنيه لمَن أُدينوا في القضية في الدرجة الأولى.
حكم البراءة.. لماذا انتهت القضية ببراءة المتهمين؟
بعد استئناف الحكم، أصدرت محكمة جنايات مستأنف الأقصر حكمها ببراءة جميع المتهمين، بعد قبول طعنهم الذي استند إلى غياب الأدلة القطعية وتضارب التقارير الفنية المتعلقة بفحص القطع الأثرية المضبوطة.
واعتبر محامو الدفاع أن الحكم يعكس حرص القضاء على تمحيص الأدلة والوقوف على الحقيقة، حيث استغرقت القضية 6 سنوات من التحقيقات والجلسات القضائية التي شهدت تقلبات في الحكم، مما يُظهر هشاشة الأدلة وغياب اليقين القانوني ضد المتهمين.
أرقام وتواريخ مهمة
- ضبط المضبوطات: فبراير 2019
- عدد المتهمين الذين برأتهم استئناف الأقصر: 5 متهمين منهم 3 موظفين بالمطار.
- الحكم الابتدائي السابق: سجن مشدد 15 سنة وغرامة مليون جنيه لكل متهم (أُلغي لاحقاً في الاستئناف).
- حكم الاستئناف: 20سبتمبر 2025 براءة لغياب الأدلة وتضارب التقارير الفنية.
لماذا قضت الاستئناف بالبراءة؟ أدلة فنية متضاربة وسلطة الإثبات
أشارت أحكام الاستئناف إلى نقطتين محوريتين:
أولاً: غياب دليل قطعي يربط المتهمين بالتهريب سلسلة الحفظ «chain of custody» للقطع محل نزاع.
ثانياً: تضارب في تقارير اللجان الفنية حول نسبة أصالة القطع وطرق الحصول عليها، بحيث لم تستطع النيابة أو قاضي أول درجة إثبات القصد الجنائي واستبعاد شبهة التملُّك أو أن القطع مُسروقة من مواقع أثرية مسجلة.
هذه الأسباب الفنية والقانونية هي ما دفع محكمة الاستئناف لقبول الطعون وإصدار حكم البراءة.
أسباب تكرار البراءات في قضايا فساد وتهريب تحت حكم السيسي
ليس من قبيل المصادفة أن تنتهي هذه القضية بحكم براءة بعد المضبوطات وصياغة اتهامات واضحة، إذ تكررت ظاهرة قضايا فساد وتهريب تنتهي ببراءات غامضة أو بعد تراجع أدلة بعد سنوات من المحاكمات، وهذا يرجع لأسباب عدة منها:
- تضارب التقارير الفنية وعدم إحكام الأدلة.
- ضعف الرقابة التفتيشية على المنافذ الحيوية مثل مطار الأقصر.
- تدخلات أو حماية من مسؤولين نافذين، حيث غالبًا ما تكون هناك صلات غير معلنة بين المتهمين والمسؤولين في الأجهزة الأمنية والإدارية.
- محاولات النظام الحالي تحسين صورته من خلال إظهار نزاهة القضاء وعدم كريمته تجاه تلك الملفات، رغم ما يشاع عن محاكمات صورية وتلفيقات قضائية بحق المعارضين.
وفي ضوء ذلك، تصاعدت انتقادات لسياسات عبد الفتاح السيسي وتدخله في المنظومة القضائية والإدارية، مع تقارير عن تدخلات لتخفيف الأحكام عن متهمين مرتبطين بالنظام أو دوائر نفوذه.
فقد أشارت بعض التقارير الحقوقية إلى أن القضاء في مصر بات أداة سياسية تدار وفق ما يمليه النظام العسكري الحاكم، ما يثير الشكوك حول استقلاليته ونزاهته في قضايا الفساد أو التهريب الكبرى.
إحصاءات وبيانات عن فساد وتهريب الآثار في مصر تحت حكم السيسي
تشير منظمة دولية معنية بحماية التراث إلى وقوع ما يزيد عن 100 حادثة تهريب ومصادرة قطع أثرية عبر المنافذ المصرية خلال السنوات الأخيرة، مع استمرار غياب الكشف النهائي والمحاكمات الناجعة.
كما أظهرت تقارير مركزية أن نحو 30% من الموظفين في بعض المنافذ الجوية والبرية بمصر متهمون إما بالتقصير أو التواطؤ في تهريب آثار أو بضائع ممنوعة، دون محاسبة حقيقية.
طوال فترة حكم السيسي منذ 2014، ازدادت نسبة محاولات تهريب القطع الأثرية بسبب هشاشة الوضع الأمني والاقتصادي وازدياد الفقر، الأمر الذي استغلته شبكات مهربين مدعومة أحيانًا من جهات نافذة.
قال المحامي الجنائي وأحد مدافعي المتهمين أشرف عدنان إن الحكم جاء "بعد أن تبين للمحكمة وجود تضارب بين التقارير الفنية وغياب أدلة يقينية"، معتبراً أن "القضاء أظهر حرصه على الحقيقة".
من جهة أخرى، انتقد سياسيون معارضون حكم السيسي مؤكدين أن "حالات البراءة في قضايا فساد وتهريب كثيرة هدفها حماية كبار المتورطين وتعطيل العدالة"، معتبرين أن "السيطرة الشاملة للجيش والأجهزة الأمنية على مفاصل الدولة تسمح بتمرير هذه القرارات."
تصريحات منظمات حقوق الإنسان مثل "هيومن رايتس ووتش" خلال 2024 أشارت إلى تفاقم الفساد والإفلات من العقاب في مصر، مع وصول البلاد إلى مستويات خطيرة من تراجع الحقوق والحريات، حيث تدخل الجيش بشكل مكثف في القطاعات الاقتصادية والإدارية، بما في ذلك التعامل مع ملفات الآثار.
العلاقة بالمسؤولين.. شبكة حماية داخل النظام
البراءة التي صدرت تؤكد فرضية وجود تسويات غير معلنة أو وجود شبكة حماية داخل إدارات ومؤسسات الدولة بشأن قضايا التهريب والفساد، إذ تم توثيق سيدة من الموظفين كانت لها علاقات مع مسؤولين أمنيين وإداريين في المطار، وهذا النموذج يتكرر في قضايا من هذا النوع حيث لا يكشف القاضي عن الضغوطات أو الترتيبات التي تسبق إصدار الأحكام.
كما أن النظام تحت حكم السيسي يعزز وجود تحالفات بين الجيش وأجهزة الأمن والقطاع الخاص للسيطرة على الاقتصاد ومكافحة أي فساد بطريقة انتقائية، هذا الأمر يزيد من عزل المتضررين الحقيقيين الذين يطالبون بالعدالة ويُضعف قانون مكافحة الفساد.
خلاصة وتحليل
في ظل حكم عبد الفتاح السيسي، فإن حالة 5 متهمين بتهريب آثار في الأقصر الذين تمت براءتهم بعد 6 سنوات من التقاضي، تكشف عيوب متعددة في النظام القضائي والأمني والسياسي.
التضارب في التقارير وضعف الأدلة يأخذان طابعاً مريباً وسط ضبابية حول دور المسؤولين المتنفذين، ما يجعل هذه القضية نموذجًا مصغرًا للفساد المؤسسي والإفلات من العقاب الذي يميّز "العهد السيسي".
رغم إطلاق النظام يد الأجهزة الأمنية والقضائية في حملات ضد المعارضين، إلا أن ملفات الفساد الكبيرة تبقى محمية أو مغلقة، ما يعرقل جهود السلامة الوطنية والعدل ويزيد من انعدام الثقة في مؤسسات الدولة.
هذا الواقع يعكس إخفاقات السياسات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية للحكم القائم، مع تنامي المشكلات الحقيقية كشيوع الفقر وانهيار الخدمات وغياب الشفافية، كل ذلك في وقت تصاعدت فيه وتيرة القمع وتقليص الحريات، ما يشكل تهديدًا مستدامًا لمستقبل مصر، وفقاً لتقييمات محلية ودولية متعددة.