شهدت مصر في السنوات الماضية تصعيداً غير مسبوق في استخدام أدوات السلطة لقمع المعارضة، حيث لجأت السلطة الحالية برئاسة قائد الانقلاب العسكري المصري عبد الفتاح السيسي إلى إجراءات استثنائية تعكس ازدواجية واضحة في التطبيق القانوني، وخاصة فيما يتعلق بإسقاط الجنسية، فبينما ترفض السلطات الاتهامات الموجهة لخصومها، تستعمل في المقابل عقوبات شديدة تصل إلى تجريد المدنيين من جنسياتهم، كما حصل في الحالة الطارئة مع الشاب ياسين السمّاك وعائلته، رغم براءتهم المثبتة من اتهامات البعثة المصرية في نيويورك.

 

قضية ياسين السمّاك.. براءة في مواجهة قمع

في أواخر أغسطس 2025 أفاد مراسلون ووسائل إعلام بأن ياسين السمّاك (22 عاماً) وشقيقه تعرضا لدفع وعنف من قبل عناصر محسوبة على البعثة المصرية في مانهاتن، وصُوّرت الحادثة بفيديو متداول أظهر الضرب والجرّ إلى داخل المبنى.

في حادثة نيويورك، تم توجيه اتهامات زوراً إلى ياسين السمّاك وأخيه من قبل أعضاء البعثة الدبلوماسية المصرية، حيث أظهرت فيديوهات منشورة براءتهم بوضوح، فقد كانا ضحيتين للاعتداء، إذ تم دفعهما بالقوة داخل البعثة،

النيابة في نيويورك تابعت القضية أولاً بتوجيه تهم ثم أوقفتها وأسقطت الاتهامات، بعد مراجعة الأدلة والشهادات.

نشر الخبر الرئيسي عن إسقاط التهم في 18 سبتمبر 2025 في تقارير أسستها وكالة الأسوشييتد برس ووسائل أمريكية أخرى.

إلا أن نظام الانقلاب المصري، بدلاً من اتخاذ مسار قانوني عادل، قرر سحب الجنسية عن ياسين وأخيه ووالده، في سابقة عدائية يظهر من خلالها الحقد والغل السياسي ضد المعارضين، مما دفع البعض لوصفها بأنها رسالة ترهيب وتحذير للمنتقدين من السلطة القائمة.

 

قانون إسقاط الجنسية في الدستور المصري

القانون المصري رقم 26 لسنة 1975 (وتعديلاته) يحدد حالات إسقاط أو سحب الجنسية، وينص تحديداً في المادة 16 وما تبعها، على أن "يجوز بقرار مسبب من مجلس الوزراء إسقاط الجنسية المصرية عن كل من تمتع بها في أحوال معينة" (مثل اكتساب جنسية أجنبية بالمخالفة، الخدمة في جيوش أجنبية، أو الحصول على الجنسية عن طريق الغش) كما تحدد مواد أخرى حالات السحب والإجراءات ونشر القرارات في الجريدة الرسمية.

ومع ذلك، القانون يمنح سلطات تنفيذية واسعة ولا يضع قيوداً إجرائية كافية لضمان الشفافية والرقابة القضائية المستقلة في حالات إسقاط الجنسية، هذا الفراغ التشريعي يُستخدم بحسب مراقبين كأداة انتقامية

فوفق القانون المصري على أن إسقاط الجنسية يتم بقرار من مجلس الوزراء، ويستوجب أن يكون ذلك بظروف محددة مثل الحصول على جنسية أجنبية بدون إذن، أو ارتكاب جرائم تمس الأمن القومي، أو العمل لصالح دولة معادية.

كما يوجب القانون أن لا يؤدي إسقاط الجنسية إلى جعل الشخص بلا جنسية، وهو ما يبدو مخالفاً في حالة ياسين السمّاك، حيث لم يتضح وجود مبررات قانونية تبرر هذا الإجراء التعسفي.

علاوة على ذلك، يتعارض ذلك مع المعايير الدولية التي تحظر إسقاط الجنسية تعسفاً، بما في ذلك اتفاقيات حقوق الإنسان المعتمدة التي تحمـل الدول مسؤولية حماية حقوق الأفراد وعدم حرمانهم من وطنهم بدون مبرر قانوني عادل.

 

هل يتعارض السحب مع القانون الدولي وحقوق الإنسان؟

منظّمات حقوقية دولية مثل هيومن رايتس ووتش وأمنستي رصدت حالات سابقة لسحب جنسيات في مصر واعتبرتها تعسفية إذا استخدمت ضد معارضين سلميين أو دون ضمانات قضائية عادلة.

إسقاط الجنسية يؤدي عملياً إلى مصادرة حقوق اجتماعية وقانونية أساسية، منع العودة، فقدان حق التعليم والخدمات، وقيود سفر، ويقترب من نزع هوية الشخص سياسياً واجتماعياً، وطالبت هذه المنظمات بتقنين ضوابط شفافة وتوفُّر آليات استئناف قضائي أمر متكرر.

 

سياق تاريخي

سجل السنوات الأخيرة يظهر تزايد استخدام أدوات إدراية وقانونية ضد المعارضين: سحب جنسيات، إدراج على قوائم تهديد الأمن، وقيود على المنظمات المدنية والإعلام.

منظّمات حقوقية تصف نمطاً متواصلاً من تجريم السياسة وتضييقاً على الحريات، لا سيما خلال أزمات سياسية أو احتجاجات تضامن مثل احتجاجات التضامن مع غزة.

هذا السياق يعطي قرار إسقاط الجنسية عن السمّاك بعد إعلان براءته طابعاً سياسياً وانتقامياً لدى منتقدي النظام.

 

ازدواجية النظام وتنفيذ العقوبات الانتقامية

تعكس هذه الحادثة ازدواجية نظام الانقلاب المصري في تطبيق القانون، حيث يستغل أدوات الدولة لسحق المعارضين والمنتقدين بشكل انتقامي.

تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش في 2024 أكد استمرار حبس المعارضين، والتعذيب، والاختفاء القسري، إضافة إلى استهداف حقوق المواطنين في حرية التعبير والتنقل.

وبحسب دراسة استقصائية في 2016، رفض 74% من المصريين استمرار حكم السيسي، بينهم 81% من الفئة العمرية الشبابية تحت 40 عاماً، مما يظهر حجم الاستياء الشعبي المشترك الذي تواجهه السلطة.

 

تحديات حقوق الإنسان ومساءلة السلطة

تبقى قضية إسقاط الجنسية عن ياسين السمّاك نموذجاً فاضحاً على ازدواجية النظام الحاكم في مصر الذي يستخدم القانون للانتقام السياسي، مؤدياً إلى أزمة حقيقية في حقوق الإنسان وقوانين الجنسية.

يبرز هذا الوضع الحاجة الملحة لإعادة النظر في سياسات القمع، وتعزيز استقلالية القضاء، وحماية الحقوق الأساسية.

كما يتطلب الأمر تحركاً شعبياً ودولياً لحمل النظام على احترام دستور مصر والاتفاقيات الدولية لضمان العدالة وعدم استخدام الجنسية كسلاح سياسي.

قضية ياسين السمّاك توضج ازدواجية الانقلاب في إسقاط الجنسية، مشيراً إلى أن الإجراءات القانونية والدستورية تم تجاوزها لصالح أجندة انتقامية سياسية واضحة، لتحقيق فهم معمق لخطورة هذا التوجه في مصر تحت حكم عبد الفتاح السيسي.