أطلقت وزارة النقل في سبتمبر 2025 المرحلة الثانية من برنامج تأهيل سائقي الحافلات والنقل الثقيل بهدف تقليص الحوادث المرورية المرتبطة بهذه الفئة الحيوية من السائقين.
البرنامج يركز على التدريب النظري والعملي لرفع كفاءة السائقين، مع توقعات بتحسين السلامة على الطرق، وحكومة الانقلاب تعلن عن تراجع معدل الحوادث في بعض المناسبات، لكنها تنسى الإشارة إلى أن هذه البرامج وحدها لا تمثل الحل الشامل.
فالبيانات الرسمية من الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء لعام 2024 تشير إلى ارتفاع عدد الإصابات في حوادث الطرق بنسبة 7.5%، حيث بلغ عدد المصابين 76362 مصابًا مقابل 71016 في 2023، رغم انخفاض عدد الوفيات بنسبة 10.3 % لتصل إلى 5260 متوفى، وهذا يعني أن الحوادث لم تنخفض بشكل جذري وإنما فقط انخفض عدد الوفيات، ما قد يعكس تحسنًا طفيفًا في التعامل مع الإصابات، وليس بالضرورة نجاحًا ذريعًا لبرامج التدريب فقط.
صرح وحيد قرقر، وكيل لجنة النقل بمجلس نواب الانقلاب، إن 99% من حوادث الطرق تعود إلى الأخطاء البشرية لكنه أكد أن هناك مسؤولية على الجهة القائمة على الطرقات في حال وجود أخطاء تصميمية أو إدارية، حيث يتم اتخاذ إجراءات شكلية لكنه لا يحدث تطوير فعلي دائم.
المشكلة أعمق من مقاعد وطرق تدريب
منذ سنوات تتكرر نفس المعادلة في مصر.. وقوع حوادث مروعة، تصريح حكومي متكرر، ثم وعود بإجراءات جزئية، وغالباً ما تنتهي الأمور عند حملات تأهيل لسائقي الحافلات والنقل الثقيل، لكن هل هذه البرامج وحدها كافية لوقف نزيف الأرواح؟ الأدلة توضح أن التحسن الطفيف في الأرقام لا يعني اختفاء الأسباب الجذرية: البنية التحتية المتدهورة، غياب الرقابة الحقيقية، وفساد مؤسسي يمنع تنفيذ حلول جذرية.
أرقام رسمية: تراجع الوفيات من 7,762 في 2022 إلى 5,861 في 2023، ثم إلى 5,260 في 2024.
فاعلية برامج التدريب
بحسب دراسات علمية في السياق المصري والمنطقة، برامج التدريب تغير سلوكيات السائقين وتخفض بعض أشكال المخاطرة، خصوصاً المتعلقة بالسرعة والسلوكيات الفردية. لكنها لا تعالج عوامل مثل جودة المركبات، الصيانة، أو تجهيزات السلامة الإلزامية (مثل ABS أو أحزمة متوافقة، باختصار: التدريب يقلل المخاطر الفردية لكنه ليس علاجاً شاملاً.
البنية التحتية وإهمال الطرق..
الطريق الذي ينهار، الحارة التي تبتلع السيارات، أو اللوحات الإرشادية المفقودة؛ كلها عوامل تتجاوز قدرة أي سائق حتى لو كان مؤهلاً جيداً.
في 2024-2025 شهدت مصر موجة من الحوادث على طرق سريعة وطرق ريفية تكشف عن تراكم إهمال وصيانة متأخرة، ما دفع رئيس حكومة الانقلاب إلى أمر مراجعة وصيانة شاملة في يوليو 2025 بعد حوادث متكررة.
هذا يوضح أن المشكلة ليست نقص مهارات سائقي الحافلات فقط وإنما الإهمال البنيوي.
فساد منظومة النقل
الفساد المؤسسي في مؤسسات الدولة، بما في ذلك قطاعات النقل والطرق والمرور، يمنع تطبيق معايير السلامة ويفسح المجال لتجاوز القوانين عبر بقشيش وترهل إداري.
تقارير خبراء ومراكز بحثية تشير إلى أن الفساد والامتيازات يعرقلان تنفيذ مشاريع الصيانة، ويضعفان آليات التفتيش والمحاسبة، في غياب مساءلة حقيقية، تتحول البرامج التدريبية إلى مسكن مؤقت لا يغير من واقع المنظومة الفاسدة.
تراكم الإهمال والتخطيط السيئ: أرقام وإفادات
الأرقام الرسمية تُظهر انخفاضاً في عدد الوفيات بين 2022 و2024، لكن التحليل السطحي للأرقام لا يكشف التوزيع الجغرافي للعوامل: حوادث قاتلة تستمر على طرق محددة ومناطق ريفية مهمشة.
كما أن تصريحات وزارٍية متكررة بالأسف والاعتذار، منها تصريحات لرئيس حكومة الانقلاب مصطفى مدبولي بعد حوادث، تبرز اعترافاً رسمياً جزئياً بالمشكلة دون تغيير جذري في نمط الحوكمة.
ماذا تقول خبرة الاقتصاد والسياسة؟
اقتصاديون ومحللون يؤكدون أن التقليل الحقيقي في الحوادث يحتاج استثمارات مستدامة في صيانة الطرق، تحديث أسطول النقل العام، تحديث قوانين السلامة، وأنظمة رقابية مستقلة شفافة.
الحلول القائمة على قروض مؤقتة أو مشاريع ظاهرية لا تحل الجذور إذا لم تُقترن بمكافحة فساد فعّالة.
تصريحات وزيرة التخطيط حول أهداف النقل 2024 تذكر السلامة لكنها لا تُظهر آليات لمكافحة الفساد أو استقلالية الرقابة اللازمة.
لماذا التدريب لوحده غير كافٍ؟!
- التدريب مفيد لكنه يعالج السلوكيات فقط، وليس البنية الأساسية للمشكلة.
- الفساد المؤسسي يقلل من فعالية أي برنامج؛ الرشاوى وتلاعب العقود تعني صيانة دون جودة ومعدات دون معايير.
- الانخفاض في أرقام الوفيات بين 2022–2024 مهم لكنه لا يبرر الاعتماد على حلول شكلية فقط، فيجب دراسة التوزيع الجغرافي والعوامل النوعية للحوادث.
توصيات عملية قابلة للتطبيق:
- ربط برامج التدريب باعتماد تقني وفحوص دورية مستقلة للمركبات، لا تقبل بالاعتماد على شهادات داخلية.
- إنشاء وحدات رقابية مستقلة عن وزارة النقل تكون ذات نفوذ ومساءلة علنية.
- استثمار مُوجَّه في صيانة الطرق الحرجة مع جداول زمنية معلنة ومراجعة عامة للعقود لتجنب التلاعب.
- شفافية في الإنفاق على مشاريع النقل ونشر تقارير أداء دورية للجمهور.