في 17 سبتمبر 2025، وقّعت السعودية وباكستان اتفاقية دفاعية متبادلة تنصّ على اعتبار أي اعتداء على أحد الطرفين اعتداءً على الطرفين معًا، في خطوة اعتبرت تعزيزًا لعقود من التعاون العسكري بين البلدين.

 

لماذا باكستان؟! عوامل تاريخية واستراتيجية

الاختيار لم يأتِ من فراغ: العلاقات العسكرية السعودية-الباكستانية تمتد عقودًا (إرسال وحدات باكستانية إلى السعودية، وتدريب ومشاريع تعاون دفاعي منذ الستينيات والسبعينيات)، وما يجعل باكستان شريكًا جذابًا للسعودية اليوم هو الجمع بين جيش منظّم وقدرة نووية (كعامل ردع سياسي) وعلاقة مالية واستثمارية عميقة بين العاصمتين.

هذا الموقع التاريخي والقدرة النووية يعززان منطق «شريك قادر على الردع» أكثر من أي شريك آخر في المنطقة.

الاتفاقية تزامنت مع هجمات إسرائيلية على قطر في 9 سبتمبر، مما أثار تساؤلات عن علاقة التحالف الجديد بهذه الهجمات وعلى خلفية فتور العلاقات الأميركية-السعودية.

بالمقابل، لم توقع السعودية اتفاقية مشابهة مع مصر، رغم تاريخ الشراكة الطويل بين الرياض والقاهرة؛ يعود ذلك لعدة أسباب استراتيجية وسياسية.

أولاً، السعودية ترى في باكستان شريكاً عسكرياً يمتلك سلاحاً نووياً، إذ تُعتبر باكستان الدولة الإسلامية الوحيدة المجهزة بأسلحة نووية، مما يعطي السعودية مظلة نووية من غير تورط مباشر في انتهاك اتفاقيات دولية لعدم انتشار السلاح النووي.

بينما مصر، رغم تحالفها القديم مع السعودية، لم تصل إلى مستوى القوة العسكرية أو التطور النووي ما يجعلها شريكاً مماثلاً.

ووفق محللين سعوديين، باكستان تعتبر أكثر قدرة على الردع المشترك، بخلاف مصر التي تعاني من تباين في أولوياتها الدفاعية مع السعودية، وهي علاقة معقدة مع إيران إضافة إلى تحفظات على السياسات المصرية الإقليمية، خاصة منذ حكم العسكر الحالي.

 

العلاقة بالمقاطعة والقصف على قطر

الهجوم الإسرائيلي على العاصمة القطرية الدوحة الموجه في 9 سبتمبر 2025 ضد اجتماع لقادة حركة حماس أضاف أبعاداً جديدة للاتفاق الدفاعي السعودي-الباكستاني، تعكس الاتفاقية رغبة السعودية والباكستان في تقديم ردع مشترك ضد أي تهديدات إقليمية مباشرة وفي ظل شعور متزايد بعدم استقرار أمني في الخليج.

الهجمات على قطر لم تكن مرتبطة فقط بالمواجهة الإسرائيلية-الفلسطينية، بل وضعت دول الخليج أمام واقع جديد من ضعف الاعتماد على الضامن الأمني الأميركي، الأمر الذي دفع السعودية نحو التكتل مع باكستان ذات القدرات العسكرية الخاصة.

 

تهميش مصر تحت حكم العسكر وأثره

مصر تحت حكم عبدالفتاح السيسي شهدت تهميشًا واضحًا في الحسابات الإقليمية والدولية؛ الإهمال السعودي لمصر في توقيع اتفاق الدفاع المشترك يُعد مؤشراً على فقدان الدور المصري التقليدي كحليف استراتيجي.

الانتقادات الحقوقية والسياسية من الداخل والخارج وتزايد الاعتماد على الدعم الأميركي والغربي جعلت مكانة مصر متواضعة مقارنة مع باكستان التي ما تزال تحتفظ بسمعتها العسكرية، رغم مشكلاتها الاقتصادية.

 

عوامل الإقصاء والانعزال الجزئي

ملاحظات محلّلين تشير إلى أربعة أسباب رئيسية:

  1. لضعف موقع القاهرة النسبي في بعض الملفات
  2. اعتماد مصر الاقتصادي والسياسي على تدفقات الخليج والغرب
  3. تشبّع الدور المصري من جهة علاقاته مع أطراف متعدّدة، ما يجعل تحالفًا أمنيًا موحدًا أقل مرونة
  4. وجود انتقادات لسياسات مصر الداخلية والتي تؤثر في مصداقية القاهرة إقليميًا.

هذا لا يعني استبعادًا كاملًا، فالعلاقات المصرية-السعودية تستمر وتتقلب بين التنسيق والتباين بحسب الملفات

 

المقارنة بين قوة باكستان ومصر

باكستان تملك قوة عسكرية نووية وتتمتع بخبرة قتالية طويلة في الصراعات الإقليمية مثل الهند وأفغانستان، إضافة إلى موقعها الجيوسياسي المهم.

في المقابل، مصر تعتمد بشكل أكبر على الجيش التقليدي الذي رغم أنه ضخم إلا أنه يعاني من تخلف في التكنولوجيا وأنظمة الدفاع المتقدمة.

علاوة على ذلك، مصر مرتبطة بشدة بالغرب عسكرياً واقتصادياً، مما يجعل قرارها الاستراتيجي مرهوناً بتوازنات دولية وأميركية بشكل خاص، بعكس باكستان التي تتمتع بدرجة أكبر من الاستقلالية في سياستها الدفاعية.

 

مصر والاحتلال ومرونة القرار مع الغرب وأمريكا

النفوذ الغربي، وخاصة الأميركي، يحدد إلى حد كبير توجهات السياسة المصرية الخارجية والأمنية؛ اتفاقيات عسكرية ضخمة مع الولايات المتحدة، فضلًا عن دعم اقتصادي كبير مقابل تبني القاهرة لسياسات تلاقي مصالح واشنطن في المنطقة، أدت إلى تقليص هامش المناورة السياسية المصرية، هذه التبعية انعكست على موقع مصر في ملفات حساسة مثل القضية الفلسطينية، السياسية الإقليمية، والعلاقات مع إسرائيل.

بالمقابل، السعودية تحاول إعادة بناء تحالفات تحقق لها نفوذاً أكبر واستقلالية نسبية، وهو سبب رئيسي في التوجه نحو شراكات مثل الاتفاق مع باكستان بعيداً عن القاهرة.

 

ما الذي يجب مراقبته؟

التحالف السعودي-الباكستاني يمثل تغييرًا في هندسة الردع الإقليمية ويعكس مخاوف خليجية من تقلبات الاعتمادية الخارجية.

الأثر على مصر سيكون مزيجًا من ضغوط دبلوماسية واقتصادية وفرص لإعادة التفاوض على نفوذ إقليمي.

المتغيرات القادمة التي تستحق المتابعة: تصريحات رسمية لاحقة من الرياض والقاهرة وإسلام آباد، أي نصوص اتفاقية تفصيلية، وتطورات أمنية جديدة في الخليج أو حول قطر.

اتفاق الدفاع المشترك بين السعودية وباكستان يأتي في سياق عربي وإقليمي معقد يتضمن تحولات في تحالفات القوى الإقليمية، هشاشة الاعتماد على الولايات المتحدة، وتأزم العلاقات الخليجية مع بعض الدول العربية بما في ذلك مصر.

السعودية اختارت باكستان لما تملكه من قوة عسكرية نووية، استقلالية سياسية، وتركيز دفاعي يجمع عليه الطرفان، بينما مصر تعاني من أزمة داخلية وتراجع دور إقليمي تحت حكم العسكر، مع تبعية كبيرة للغرب.

الهجمات على قطر مثلت حالة توتر إضافية دفعت إلى إعادة صياغة التحالفات الأمنية في المنطقة، مؤكدين على أهمية هذا الاتفاق في إعادة توزيع موازنات القوى العربية والإسلامية في العام 2025.