أعلنت حكومة الانقلاب وخُطط صندوق مصر السيادي عن تسريع طروحات 5 شركات حكومية في البورصة المصرية، ومن بينها شركات مرتبطة بجهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابع للجيش مع نهاية سبتمبر 2025، في خطوة تأتي قبيل زيارة بعثة صندوق النقد الدولي لمراجعة برنامج القرض المبرم مع مصر هذا الخريف.
رئيس حكومة الانقلاب مصطفى مدبولي أكد أن من بين تلك الشركات توجد “وطنية” و”صافي” و”شل أوت” و”سايلو” التابعة للجيش، ضمن خطة أكبر لطرح 10 شركات حكومية خلال العام 2025.
طُرح سابق لـ"المصرف المتحد" منتصف 2024 جمع 4.6 مليار جنيه (حوالي 92.14 مليون دولار)، وتغطية الطرح كانت 59 مرة، بحسب تصريحات مدبولي، مما يعكس جذبًا مزعومًا للاستثمار.
الهدف المعلن هو زيادة مشاركة القطاع الخاص وتلبية شروط مراجعات صندوق النقد الدولي. لكن توقيت الطروحات — في الأساس قبل زيارة بعثة صندوق النقد أو أثناء مراجعاته، يطرح سؤالاً واضحاً: هل هذا قرار اقتصادي سليم أم مناورة لتحقيق أهداف سياسية ومالية قصيرة الأجل؟.
دلالة التوقيت.. محاولات لإقناع صندوق النقد الدولي وإنقاذ الاقتصاد
يأتي التوقيت مع وصول بعثة صندوق النقد الدولي لمصر في خريف 2025 لمراجعة التقدم في برنامج الإصلاح والقرض، وسط دعوات الصندوق لأن تبدأ مصر إصلاحات أعمق تشمل رفع الإنتاجية هيكليةً.
هذا الطرح يُنظر إليه ضمن محاولات الحكومة السيسي لإنعاش الثقة في الأسواق المالية وجذب استثمارات جديدة، إلا أنه صفعة للمواطن المصري الذي يعاني من تدهور الخدمات وغلاء المعيشة، ويشكك كثيرون في أن الطروحات ستؤدي لفعالية اقتصادية حقيقية أو تحسين في حياة الفقراء، خاصة أن الطروحات تركّز على شركات الجيش التي تستحوذ على هامش واسع من الاقتصاد المصري.
ما الذي يُطرح ومتى؟ (أسماء وأرقام)
الطروحات التي تم ذكرها رسمياً تضم شركات مثل: "صافي" (تعبئة مياه)، وشركات توزيع الوقود مثل "وطنية" و"تشيل آوت"، وشركة "سيلو فودز" للصناعات الغذائية، وشركة وطنية للطرق، وقد تكرر ذكر أن 10 شركات على قائمة الطروحات الأوسع وأن هناك هدفاً لجمع مبالغ كبيرة عبر هذه العملية.
بعض التقارير أشارت إلى أن حكومة الانقلاب تخطط لعمليات بيع لحصص في 10 شركات بحلول 2025-2026 مع أرقام مستهدفة تراوح عالياً.
دلالة التوقيت: لماذا الآن؟
السبب الرسمي: الوفاء بالتزامات برنامج مصر مع صندوق النقد الدولي (اتفاقية قرض قيمتها نحو 8 مليارات دولار مُبرمة سابقاً)، والحاجة لصرف شرائح جديدة من التمويل عبر استكمال المراجعات.
المسؤولون الماليون صرّحوا بأن مراجعات مجمعة قد تُنجز قبل خريف 2025 وأن إتمامها سيفتح باب شريحة تقارب 2.5 مليار دولار. في هذا الإطار، يبرّر القائمون على الطروحات التوقيت كخطوة لطمأنة الدائنين وإظهار "إصلاح هيكلي".
هل الطروحات إنقاذ أم مسكن مؤقت؟
الطروحات الحالية تشبه بيع ممتلكات الدولة بسعر السوق في لحظة ضعف أو ضغط سياسي، الاعتماد على الطروحات لتمويل عجز الميزانية أو لتوفير احتياطي نقدي مؤقت يعكس فشل سياسات اقتصادية تراكمت خلال السنوات الماضية، ارتفاع الدين العام، تضخم وتآكل احتياطيات، واعتماد على الدعم السياسي الخارجي (استثمارات وقروض خليجية).
تحويل شركات الجيش إلى بورصة دون ضمان حوكمة حقيقية وشفافية ومعالجة مُسبقَة لمشكلات الإدارة قد يُحرر أصولاً لكنّه لا يعالج جذور الأزمة.
أدلة رقمية على هشاشة الاقتصاد
تقارير صندوق النقد الأخير وتقديراته تشير إلى مخاطر ديون مرتفعة وافتراضات نمو هشة؛ وثمة تقديرات رسمية وإعلامية تربط ارتفاع الدين الحكومي بتفاقم الضغوط.
كما أن محاولات سابقة لطرح شركات مُلكية لم تُحقق دائماً نتائج ضخمة أو جذب استثمارات أجنبية كافية، ما يجعل الاعتماد الكامل على الطروحات مخاطرة.
الأرقام المقتضبة:
- برنامج قرض بِـ8 مليارات دولار
- احتمالية فتح شريحة 2.5 مليار دولار مع إتمام مراجعات صندوق النقد
- خطط طروحات لـ10 شركات كهدف مرحلي لعدة مليارات دولار
اختيارات سياسية
رئيس حكومة الانقلاب ومسؤولون حكوميون تحدثوا سابقاً عن نية طرح أربع شركات مملوكة للجيش أو أكثر على البورصة وهي تصريحات مُتكررة منذ أواخر 2024 وبدايات 2025، هذه التصريحات الرسمية تُستخدم لتقديم صورة "إصلاح" تجاه الدائنين والأسواق، بينما في الواقع تظل مؤسسات عسكرية واقتصادية قوية تحتفظ بميزة الوصول إلى الموارد والامتيازات.
نقديون وسياسيون يرون في ذلك "محاولة لتلميع دور الجيش اقتصادياً ومالياً، وتفريغ الضغط النقدي على النظام بدل تمكين اقتصاد مدني حقيقي".
من سينقذ الاقتصاد فعلاً؟ حلول حقيقية أم وهم الطروحات
الطروحات قد تجلب سيولة مؤقتة لكنها لا تُعدُّ حلاً مستداماً ما لم تُصاحبها إصلاحات هيكلية، فخفض عجز الميزانية عبر إصلاح الدعم بكفاءة، تحسين تحصيل الضرائب، إصلاح قطاع الأعمال العام بحوكمة حقيقية، وحماية بيئة الاستثمار الحقيقية بعقود شفافة، أما الاعتماد على مداخيل طارئة أو رهن أصول استراتيجية لتمرير مواعيد سياسية فهو وصفة لاستمرار الأزمة على المدى المتوسط.
لماذا تنهار مصر تحت حكم السيسي؟
العبارة التي ترددت أن "مصر تنهار" تنبع من تراكم إخفاقات متعلقة بالحوكمة، ارتفاع الدين، تضخّم تكاليف المعيشة، وضعف الحقوق والحريات التي تقوّي الصمود الاقتصادي الحقيقي.
طرح 5 شركات حكومية، بعضها عسكري، في البورصة المصرية نهاية سبتمبر 2025، قبيل زيارة بعثة صندوق النقد الدولي، يأتي في توقيت دقيق لكنه لا يبشر بأي انفراجة اقتصادية.
هذه الخطوة لا تعدو كونها وسيلة لجمع أموال مؤقتة وتعزيز مظهر الإصلاح دون معالجة جذور الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تعصف بمصر تحت حكم عبد الفتاح السيسي.
الواقع يثبت انهيار مصر اقتصادياً واجتماعياً مع ازدياد الفقر، القمع، والسيطرة العسكرية على مفاصل الاقتصاد، وما يفاقم الوضع هو الخضوع لشروط صندوق النقد التي تزيد معاناة المواطن دون توفير حلول جذريّة.