في قلب مركز منيا القمح بالشرقية، تعيش قرية الزناتي على وقع كارثة صحية وبيئية متواصلة. القرية، التي يقطنها آلاف المواطنين، ما زالت محرومة من أبسط حقوق الحياة الكريمة: شبكة صرف صحي آمنة. غياب هذا الحق حوّل بيوت القرية وشوارعها إلى برك مفتوحة، ومزارعها إلى أراضٍ ملوثة، وأجساد أبنائها إلى ضحايا لأمراض جلدية ومعدية تنهشهم في صمت، بينما تغيب استجابة الدولة أو تتأخر وعودها إلى ما لا نهاية.
واقع قاتم بلا شبكة صرف
على الرغم من الحديث المتكرر عن مشروعات قومية بمليارات الجنيهات، تظل الزناتي غارقة في مشكلة بدائية. لا شبكة صرف صحي ولا محطات معالجة. الأهالي يعتمدون على "الطرنشات" البدائية أسفل المنازل، التي تمتلئ سريعًا وتفيض لتغمر الشوارع بمياه آسنة ذات روائح خانقة. هذه المياه تختلط بمصادر الري والزراعة، لتنتشر التلوثات في كل مكان.
النتيجة المباشرة: مياه الشرب مهددة، والمزروعات ملوثة، والحياة اليومية لا تطاق.
https://www.facebook.com/watch/?v=802271049626232
أمراض تنهش الأجساد
الأطفال في القرية يعانون من التهابات جلدية مزمنة: جرب، بثور، فطريات. كبار السن تلاحقهم النزلات المعوية المستمرة، وحالات التيفود تتزايد مع اختلاط مياه الصرف بمياه الاستخدام المنزلي. بعض الحالات وصلت إلى الإصابة بالبلهارسيا، المرض الذي كان يُعتقد أنه طُوي في صفحات الماضي.
الأطباء في الوحدات الصحية يؤكدون أن السبب الأول هو تلوث المياه وغياب الصرف الصحي. ومع ذلك، لا حلول تُطرح، ولا إجراءات عاجلة تتخذ.
https://www.facebook.com/watch/?v=1489489408913698
شهادات الأهالي
أحد الأهالي يلخص المأساة قائلًا: "إحنا مش بنشرب ميه نظيفة، ولا عارفين نزرع أرضنا. الطرنشات بتطفح كل أسبوع وندفع فلوس للشفط، ولو ما دفعناش البيوت كلها بتغرق".
امرأة أخرى تضيف: "أولادي طول الوقت عندهم حساسية وجروح جلدية، والدكاترة بيقولوا السبب الميه الوسخة. قدمنا شكاوى كتير، محدش رد"
https://www.facebook.com/watch/?v=5025764457647868
هذه الشهادات تكشف أن المعاناة ليست فردية، بل وباء مجتمعي أصاب القرية بالكامل.
وعود حكومية مؤجلة
المفارقة أن قرية الزناتي أُدرجت أكثر من مرة ضمن خطط تطوير الصرف الصحي في مشروعات "حياة كريمة".
لكن الأهالي لم يروا سوى الوعود. بينما قرى مجاورة بدأت بالفعل في الاستفادة من شبكات جديدة، ما يزيد شعور سكان الزناتي بالظلم والتهميش.
فكيف تُطلق الحكومة شعارات "تطوير الريف المصري" بينما تترك قرية بأكملها تتحول إلى بؤرة تلوث ومرض؟
الأثر البيئي والزراعي
غياب الصرف الصحي لم يقتصر على الصحة العامة. الأراضي الزراعية المحيطة تغمرها المياه الملوثة، فتفقد خصوبتها تدريجيًا.
بعض المزارعين يؤكدون نفوق المواشي بعد شربها من الترع الملوثة بالصرف.
التلوث بات متغلغلًا في كل دورة حياتية: من ماء الشرب، إلى الزرع، إلى الغذاء الذي يصل إلى موائد الأهالي.
مجتمع على الهامش
هذه الكارثة دفعت كثيرًا من شباب القرية إلى الهجرة نحو المدن بحثًا عن حياة أكثر آدمية.
السكان الذين بقوا يشعرون بأنهم مواطنون من الدرجة الثانية، مهمَّشون خارج حسابات الدولة.
ليس لديهم رفاهية الانتظار بينما أجسادهم تنهك وأطفالهم يمرضون.
جريمة بصمت رسمي
قرية الزناتي اليوم ليست مجرد قرية تفتقر إلى خدمة أساسية، بل بؤرة مرضية وبيئية تهدد المنطقة كلها. الصمت الرسمي على هذه الجريمة لا يمكن تبريره، ولا يمكن القبول باستمرار الأوضاع تحت ذريعة "التمويل" أو "الأولويات".
إذا كانت الدولة جادة في الحديث عن "حياة كريمة"، فإن إنقاذ الزناتي من الغرق في مياه الصرف والمرض هو الاختبار الحقيقي. أما استمرار التجاهل، فهو إقرار بأن حياة هؤلاء الآلاف لا تساوي شيئًا في ميزان السلطة.