في صورة صارخة للإهمال الذي يضرب قطاع التعليم في مصر، يعيش أهالي عزبة عمر بمركز شبر خيت بمحافظة البحيرة معاناة متواصلة منذ عام 2021، عقب هدم مدرستهم الابتدائية تحت مزاعم تطويرها. فبعد مرور أربع سنوات كاملة، لم يُنجز أي عمل في موقع المدرسة، بينما المقاول الذي كُلّف بالمشروع اكتفى بجمع الخردة وبيعها، دون أن يضع حجر أساس للبناء. ومع غياب أي متابعة من وزارة التربية والتعليم أو محافظة البحيرة، تحولت القضية إلى كابوس يومي للطلاب وأولياء أمورهم، الذين يجدون أنفسهم في مواجهة مستقبل مجهول لأبنائهم.
 

تفاصيل واقعة الهدم
تعود الواقعة إلى عام 2021 حين جرى هدم مبنى المدرسة الابتدائية في عزبة عمر بحجة أنه آيل للسقوط، على أن يتم تشييد مدرسة جديدة في فترة وجيزة. لكن ما حدث لاحقًا يكشف حجم الخلل الإداري والفساد المحتمل؛ إذ لم تُنفذ أي أعمال بناء، ولم يظهر المقاول إلا ليجمع الحديد والخردة الناتجة عن الهدم، قبل أن يختفي تمامًا. منذ ذلك الحين، تحولت قطعة الأرض إلى أطلال خاوية تذكّر الأهالي يوميًا بالوعود الكاذبة. وبحسب الأهالي، لم تقدم الوزارة ولا المحافظة أي تفسير لغياب المشروع، رغم كثرة الشكاوى والمناشدات.
 

معاناة الطلاب وأولياء الأمور
يدفع الطلاب ثمن هذا الإهمال يوميًا. فغياب المدرسة أجبر مئات الأطفال على الانتقال إلى مدارس أخرى بعيدة عن قريتهم، ما يعني رحلة شاقة صباحًا ومساءً على طرق غير ممهدة، وبمواصلات غير آمنة. أولياء الأمور يؤكدون أن كثيرًا من الأطفال أصبحوا عرضة للتسرب من التعليم نتيجة المشقة الكبيرة في التنقل. أما من استطاع الاستمرار، فيواجه مشكلة أخرى تتمثل في تكدس الفصول بالمدارس البديلة، حيث يتجاوز عدد التلاميذ في الفصل الواحد سبعين طالبًا، ما يفقد العملية التعليمية قيمتها. إلى جانب ذلك، تزايد القلق النفسي لدى التلاميذ بعد أن فقدوا مدرستهم التي كانت تمثل لهم بيئة مألوفة قريبة من بيوتهم.
https://www.facebook.com/watch/live/?ref=watch_permalink&v=931898662467059
 

مسؤولية الوزارة والمحافظة
القضية لا تقف عند تقاعس المقاول وحده، بل تمتد إلى المسؤولين في وزارة التربية والتعليم ومحافظة البحيرة الذين تركوا المشروع معلقًا طوال أربع سنوات. فغياب الرقابة الصارمة على تنفيذ العقود سمح للمقاول بالتهرب، بينما اكتفت الجهات الحكومية بالصمت. الأهالي يرون أن الوزارة لم تتعامل مع الملف بالجدية اللازمة، وأن المحافظة تجاهلت شكاواهم رغم مخاطبات متكررة. هذا الصمت يفتح الباب واسعًا أمام تساؤلات عن وجود شبهات فساد، خاصة أن المقاول حصل على قيمة الخردة ولم يُحاسب حتى الآن على تقاعسه.
 

ردود فعل الأهالي
لم يقف الأهالي مكتوفي الأيدي، فقد نظموا شكاوى جماعية وأرسلوا استغاثات عبر مختلف القنوات الرسمية والإعلامية. وانتشر على مواقع التواصل الاجتماعي فيديو يوثق غضب أولياء الأمور والطلاب من استمرار الوضع على حاله، حيث يظهر فيه الأهالي وهم يتحدثون بمرارة عن حرمان أطفالهم من أبسط حقوقهم في التعليم. البعض حذر من أن استمرار تجاهل الدولة لهذا الملف قد يؤدي إلى انهيار العملية التعليمية في العزبة بالكامل، خاصة مع تزايد حالات التسرب وإحباط الأسر من وعود الحكومة.
 

الطلاب يدفعون الثمن
تداعيات غياب المدرسة لا تقتصر على العملية التعليمية فقط، بل تتجاوزها إلى البعد الاجتماعي. فالعزبة التي كانت تفخر بمدرستها الابتدائية أصبحت اليوم نموذجًا على الإهمال واللامبالاة. تفاقم الكثافة الطلابية في المدارس المحيطة يهدد مستوى التعليم في المنطقة بأسرها. كما أن المشقة التي يتكبدها الأطفال يوميًا قد تدفع عائلات بأكملها إلى إيقاف تعليم أبنائها، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة. من الناحية النفسية، يشعر الطلاب بالاغتراب بعد أن فقدوا المكان الذي كان يربطهم بمجتمعهم المحلي. وتؤكد هذه القضية أن أزمة البنية التحتية التعليمية في مصر ليست استثناءً، بل جزء من واقع مرير يتكرر في أكثر من محافظة.