تجمع عشرات من أهالي الجيزة أمام مقر هيئة المساحة في وقفة احتجاجية سلمية، مطالبين بصرف التعويضات عن منازلهم التي هُدمت لتنفيذ مشاريع المحاور الجديدة: محور المريوطية، المحور العامودي، ومحور شريف إسماعيل. الأهالي عبروا عن غضبهم الشديد من التأخير الطويل في صرف التعويضات، التي كان من المفترض أن تُغطي قيمة منازلهم وفق تقديرات الدولة الرسمية.
ما يعرف إعلامياً بسياسات «بلدوزر السيسي» أصبح واقعاً يعيشه المواطنون، حيث تُنفذ مشاريع كبرى على حساب الأحياء السكنية، مع تأخر أو عدم وجود أي تعويض عادل، مما أدى إلى تفاقم حالة الاستياء وفقدان الثقة بين الدولة والمجتمع المحلي.
الأزمة ليست مجرد مسألة مالية، بل انعكاس لسياسات التطوير القسري التي لا تراعي البعد الاجتماعي للأسر، وتهدد استقرار المجتمعات المحلية. كما أنها تضع الضوء على فجوة كبيرة بين التخطيط العمراني على الورق وبين التنفيذ على الأرض، حيث تصبح مصالح المواطنين وأمنهم الاقتصادي والاجتماعي ثمنًا للتوسع في البنية التحتية.
مشاريع المحاور الجديدة
مشاريع المحاور في الجيزة تهدف نظرياً لتخفيف الزحام المروري وتحسين شبكة الطرق والبنية التحتية للمدينة الكبرى. ومع ذلك، هذه المشاريع طالت آلاف الأسر وأدت إلى هدم منازلهم ومصادر رزقهم. حجم الأراضي المستهدفة ضخم، وقدر عدد المتضررين بمئات الأسر، معظمها من ذوي الدخل المحدود. هؤلاء الأهالي وجدوا أنفسهم أمام واقع جديد يفرض عليهم الانتقال دون أي ضمانات واضحة أو تقدير عادل لقيمة ممتلكاتهم.
الدكتور عمرو طلعت، وزير الاتصالات الأسبق والمختص في التخطيط الحضري، يرى أن "مشروعات المحاور الكبرى في القاهرة الكبرى تهدف إلى تحديث البنية التحتية، لكنها كثيراً ما تغفل البعد الاجتماعي وحقوق المواطنين، وهو ما يؤدي إلى حالة من الاحتقان الشعبي وعدم الثقة في الدولة".
تظهر هذه المشاريع أن التنفيذ السريع غالباً ما يأتي على حساب السكان الأصليين، في حين يُنظر للمشروع كإنجاز عمراني، متجاهلين الأبعاد الإنسانية والاجتماعية للأزمة.
أزمة التعويضات وتأخر الصرف
الأهالي يعانون من تأخر دفع التعويضات أو تقديمها بمبالغ أقل بكثير من القيمة الفعلية لمنازلهم. هذا التأخير أجبر بعض الأسر على اللجوء للاقتراض لتغطية مصاريف السكن المؤقت أو الانتقال إلى أماكن بديلة، ما يضاعف الضغوط الاقتصادية والنفسية.
الدكتور محمد فؤاد، الخبير الاقتصادي بجامعة القاهرة، يشير إلى أن "التأخير في التعويضات يخلق أعباء مالية إضافية على الأسر، ويؤثر على قدرتهم على تأمين حياتهم اليومية، كما أنه يزيد من احتمالية اللجوء إلى سوق الإيجار غير الرسمي بأسعار مرتفعة".
العديد من المنازل تُقدر من قبل لجان رسمية بأسعار لا تعكس السوق، مما يزيد شعور المواطنين بالظلم ويؤدي إلى فقدان الثقة في الجهات الحكومية، ويثير استياء واسع النطاق.
ردود الفعل الشعبية
الأهالي نظموا وقفات احتجاجية أمام هيئة المساحة للتعبير عن استيائهم من تأخر التعويضات، رافعين لافتات تطالب بتحقيق العدالة وسرعة الصرف. هذه الوقفات السلمية حظيت بتغطية إعلامية محلية، وسلطت الضوء على حجم المعاناة التي يعيشها سكان الجيزة بسبب سياسات الهدم القسري.
فكتبت أم عمر " هنفضل ساكتين لحد امتي بجد ؟".
https://x.com/umomarr900/status/1967278477025095922
وأضاف عرفة " الخزنه ما فيهاش فلوس اخدها العسكري ونصب عليكم".
https://x.com/T5mGF0pOvOdlYUP/status/1967351817358201088
وأشار ورد بلدي " بياخدوا البيوت ببلاش وتباع الأراضي بمليارات لدول تانيه كان أفضل لو حصل اي مقاومه منكم علي الأقل كانوا دفعوا".
https://x.com/lqynlxvpJ94Sj8u/status/1967490280376127801
ونوه محمد سليم " السيسي يعدكم الفقر ويأمركم بالخضوع والذل والهوان.".
https://x.com/M_sleem_Mm/status/1967226547972297081
وأكد محمد " البلد دى بقت بشعه .أكاد أجزم ان مفيش دولة فى العالم بيحصل فيها ظلم لمواطنيها بالشكل الحقير ده غير مصر".
https://x.com/mohamme89713438/status/1967455662864220671
هذه الوقفات لم تقتصر على مجرد التعبير عن الغضب، بل كانت بمثابة رسالة للرأي العام وللسلطات بأن استمرار هذه السياسات بدون حلول سريعة سيزيد من الاحتقان الاجتماعي ويؤثر على الاستقرار المجتمعي.
حقوق ضائعة
القوانين المصرية تنص على حق المواطن في التعويض العادل عند هدم منازل لأغراض التنمية، لكن التطبيق العملي غالباً ما يكون ضعيفاً. غياب الرقابة الفعلية وتراخي إجراءات التنفيذ جعل المواطن يشعر بأنه ضحية سياسة «البلدوزر»، التي تهدف لإخلاء مساحات واسعة بسرعة دون مراعاة حقوقه.
المحامي أحمد زكي، الخبير في القانون الإداري، يشير إلى أن "الحق في التعويض العادل مكفول دستورياً، لكن في كثير من الحالات يتم تجاوزه عملياً بسبب ضعف الرقابة، وغياب آليات متابعة حقيقية من الدولة".
من الناحية السياسية، تؤدي هذه السياسات إلى تراجع الثقة بين المواطنين والدولة، خاصة عندما يشعر السكان أن مشروعات التطوير تتم على حساب حياتهم ومستقبلهم، وأنهم مجرد أدوات لتوسيع شبكة الطرق دون أي اعتبار لحقوقهم الأساسية.
تشتيت وعدم استقرار
هدم المنازل وتأخر التعويضات يخلق آثاراً اقتصادية واجتماعية خطيرة، خصوصاً على الأسر محدودة الدخل. تكلفة الانتقال والسكن المؤقت تضاعفت، وفقدان الممتلكات أثر على دخل الأسر واستقرارها النفسي.
الدكتور مصطفى بدرة، خبير الاقتصاد، يؤكد أن "التنمية الحضرية يجب أن تراعي حقوق المواطنين المتضررين، وإلا فإنها ستخلق أزمات اجتماعية واقتصادية كبيرة قد تؤدي إلى زيادة الاحتقان الشعبي وتراجع الثقة في الدولة".
من الناحية الاجتماعية، يؤدي الهدم إلى تشتيت المجتمعات المحلية وتقويض الروابط الاجتماعية بين السكان، مما يزيد من وطأة الأزمة النفسية ويؤثر على استقرار الأسر والمجتمع المحلي بشكل عام.
والخلاصة فإن أزمة الأهالي في الجيزة تكشف خللاً واضحاً في إدارة مشاريع التطوير العمراني الكبرى. تأخر التعويضات وعدم شفافية عملية التقييم يضع الأسر المتضررة في مأزق اقتصادي واجتماعي، ويزيد من الاحتقان الشعبي تجاه سياسات «البلدوزر». على الدولة أن تسرع في صرف التعويضات، وتضع آليات واضحة لضمان حقوق المواطنين قبل البدء في أي مشروع جديد، لضمان توازن بين التنمية الحضرية وحماية حقوق الإنسان وكرامته.