يتصاعد الغضب الشعبي في منطقة ميناء العريش، حيث يواجه الأهالي قرارات حكومية تهدف إلى إخلائهم قسراً من بيوتهم، بدعوى "تطوير المنطقة"، بينما الحقيقة – كما يقول السكان – أن الأرض يجري بيعها لمستثمر أجنبي "برخص التراب"، في تجاهل لتاريخ طويل من تضحيات الآباء والأجداد الذين دافعوا عن هذه الأرض بأرواحهم في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي. المشهد هناك بات أشبه بمواجهة مفتوحة بين الحكومة التي تواصل الهدم، وأهالي يرفعون شعار: "لن نترك منازلنا، ولو على جثثنا".
 

الأهالي: "لن نرحل من بيوتنا"
أهالي العريش يصفون قرارات الحكومة بأنها جريمة مكتملة الأركان. فالمنازل ليست مجرد جدران وأسقف، بل تاريخ وذاكرة وهوية ارتبطت بالأرض. العائلات التي تسكن المنطقة منذ عقود تؤكد أن ما يحدث هو عملية "طرد جماعي" لصالح مشروعات استثمارية مشبوهة. أحد كبار السن من المنطقة قال: "نحن الذين واجهنا الاحتلال، وسالت دماء أبنائنا في سبيل هذه الأرض، فكيف يأتي اليوم من يبيعها للأجانب وكأنها بلا صاحب؟" وأضاف آخر: "الحكومة تريد أن تمحو تاريخنا، لكننا لن نرحل مهما هدموا، سنعيد البناء فوق الركام".
 

استغاثات وصوت لا يجد من يسمعه
تتواصل الاستغاثات من الأهالي عبر بيانات مكتوبة وفيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي، يحذرون فيها من أن ما يجري سيحول مئات الأسر إلى مشردين بلا مأوى.

الأهالي يشيرون إلى أن التعويضات التي تعرضها الحكومة هزيلة ولا تكفي حتى لشراء شقة صغيرة في مكان بديل، فضلاً عن كونها لا تعوضهم عن خسارة الأرض ذات القيمة التاريخية والاقتصادية.

 

في المقابل، تلتزم وسائل الإعلام الرسمية صمتاً كاملاً، وتتجاهل معاناة الناس، بينما تروج للرواية الحكومية عن "تطوير الميناء" و"خدمة الاقتصاد القومي".

 

بيع الأرض بثمن بخس
المفارقة الأكبر أن الأهالي يؤكدون أن الأرض لا تُنتزع لمشروعات وطنية عامة، بل يجري بيعها لمستثمر أجنبي بثمن بخس.
هذه المعلومات زادت من حدة الغضب الشعبي، إذ يرون أن ما يحدث لا علاقة له بالتنمية، وإنما هو شكل من أشكال التفريط في السيادة.

 

أحد الناشطين المحليين كتب على صفحته: "الحكومة لم تعد ترى في المواطن إلا عقبة يجب إزاحتها من الطريق، الأرض عندهم سلعة، لكن عندنا دماء وتاريخ".

ما يحدث في العريش – بحسب الأهالي – هو نسخة جديدة من سياسات التهجير القسري التي طالت مناطق واسعة من شمال سيناء خلال السنوات الماضية تحت ذريعة "الأمن".

 

خبراء ومعارضون: ما يجري جريمة دستورية
خبراء في القانون والدستور حذروا من أن عمليات الهدم الجارية تخالف نصوص الدستور المصري التي تنص بوضوح على حماية الملكية الخاصة وعدم نزعها إلا للمنفعة العامة وبمقابل عادل. الكاتب الصحفي والمعارض المعروف ممدوح الولي وصف ما يحدث في العريش بأنه "إعادة إنتاج لسياسات التهجير القسري"، مؤكداً أن "بيع الأرض للأجانب بهذا الشكل يعد انتهاكاً صارخاً للسيادة الوطنية". أما الباحث السياسي ياسر الهواري فقد اعتبر أن "السيسي يتعامل مع مصر كأنها شركة خاصة، يوزع أصولها لمن يدفع أكثر، دون أي اعتبار لمصالح المواطنين أو لتاريخ المكان".
 

غضب شعبي قد ينفجر
وسط هذا المشهد، يتخوف مراقبون من أن استمرار عمليات الهدم وغياب أي حلول عادلة للأهالي قد يؤدي إلى انفجار غضب شعبي واسع، خاصة أن سيناء تحمل تاريخاً ثقيلاً من التضحيات والمعاناة. أحد الناشطين الشباب في العريش قال: "لا أحد يستفز الناس مثلما يستفزهم أن يُطردوا من بيوتهم لصالح مستثمر أجنبي. إذا استمرت هذه السياسات، فلا تلومن الحكومة إلا نفسها حين يتحول الغضب إلى ثورة".
 

ما بين الأرض والكرامة
أهالي العريش اليوم يواجهون معركة وجود حقيقية. ليست القضية مجرد بيوت تُهدم أو تعويضات تُصرف، بل صراع على الكرامة والهوية والسيادة. الحكومة تقول إنها "تطور"، لكن الأهالي يصرخون: "أنتم تبيعون أرضنا التي ارتوت بدماء الشهداء". وفي بلد أنهكته السياسات العشوائية والقرارات المجحفة، قد يكون ما يحدث في العريش شرارة جديدة لغضب شعبي أوسع، يضع النظام في مواجهة مباشرة مع شعبه الذي بدأ يفقد كل ما يملك، حتى البيت الذي يسكنه.