في شرق الإسكندرية، وتحديدًا بمنطقة طوسون، يتصاعد غضب الأهالي الذين يواجهون قرارًا حكوميًا يقضي بنزع ملكية مئات المنازل ودور العبادة لصالح مشروع الطريق الدائري الجديد الممتد بطول 23 كيلومترًا، ضمن خطة تطوير شرق المدينة.
ورغم محاولات السلطات الترويج للمشروع باعتباره ضرورة تنموية، يرى السكان أن تنفيذه بالمسار الحالي يشكّل تهديدًا مباشرًا لاستقرار أكثر من 6000 نسمة، ويعيد إلى الأذهان معارك سابقة خاضوها للحفاظ على أراضيهم ومنازلهم.
بداية الأزمة
في أبريل الماضي، أصدر محافظ الإسكندرية قرارًا بتشكيل لجنة برئاسة رئيس حي المنتزه ثان، وبمشاركة ممثلين عن المساحة والإصلاح الزراعي وحماية أملاك الدولة والمهندسين العسكريين، لتحديد التعارضات مع مسار الطريق.
وما إن بدأت أعمال الحصر حتى فوجئ السكان بأن القرار يشمل 260 منزلًا و4 مساجد وكنيسة، وهي الكنيسة الوحيدة بالمنطقة، إلى جانب جمعيات خيرية ومراكز خدمية. القرار ترك الأهالي في صدمة، خاصة أن منازلهم جميعًا متصلة بالمرافق الأساسية، ومعظمها حاصل على تصالحات بناء رسمية.
دفاع الأهالي وخطوات قانونية
الأهالي لم يقفوا مكتوفي الأيدي. فقد شكّلوا هيئة دفاع قانونية تضم خمسة محامين، بينهم المحامي محمد رمضان، الذي أكد أن الحل الوحيد هو إلغاء القرار.
وأوضح رمضان أن الفريق استعان بمكتب استشاري هندسي لوضع بدائل للمسار المقترح، وتم التوصل فعلًا إلى خط سير بديل للطريق لا يقتضي هدم المنازل. وقدم الأهالي شكاوى رسمية عبر البوابة الإلكترونية لرئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء ووزارة النقل، إلى جانب طلب لقاء مع المحافظ، لكن دون استجابة واضحة حتى الآن.
كما التقى وفد من الأهالي وزير النقل كامل الوزير، الذي وعد ببحث الموضوع مع المحافظ. وإلى جانب المسار القانوني، عمد الأهالي إلى طباعة لافتات وتوزيع بيانات تؤكد رفضهم التام ترك منازلهم، في رسالة موحدة عنوانها: "لن نترك منازلنا".
اجتماعات وتعبئة شعبية
بحسب محامي الأهالي، تُعقد اجتماعات دورية كل عشرة أيام يحضرها أكثر من 200 شخص، بهدف توحيد الموقف الشعبي ومتابعة التطورات القانونية. وفي الأسبوع الماضي، التقى فريق الدفاع بالنائب ضياء الدين داود الذي أبدى تضامنًا صريحًا مع مطالب السكان.
كما انضم محامون جدد إلى فريق "محاميي طوسون"، في إشارة إلى اتساع الدعم القانوني لقضية الأهالي.
تظلمات بلا رد
في أغسطس الماضي، تقدم الأهالي بتظلم رسمي طالبوا فيه بسحب قرار الحصر أو تعديله، مشيرين إلى مخالفات إجرائية واضحة، غير أن الجهات المعنية لم ترد حتى الآن.
ويشدد السكان على أن أي تعويض محتمل لا يمكن أن يعوض خسائرهم، إذ يبلغ متوسط سعر المنزل نحو 4 إلى 5 ملايين جنيه، فضلًا عن قيمته الاجتماعية والمعنوية كنتاج سنوات طويلة من الكفاح.
جذور تاريخية للنزاع
القضية الحالية ليست الأولى من نوعها. ففي عام 2008، حاول المحافظ الأسبق عادل لبيب الاستيلاء على أراضي المنطقة لتحويلها إلى مشروع استثماري، إلا أن الأهالي اعتصموا لستة أشهر، وحصلوا على حكم قضائي أوقف القرار. بعدها عادوا لبناء منازلهم وإدخال المرافق ودفع رسوم التصالح، وهو ما يمنحهم شرعية إضافية للدفاع عن ملكياتهم اليوم.
أصوات من الداخل
يقول أحد الأهالي: "البيت ده شقى عمرنا وتعب سنين، استلفنا وبنينا وركبنا المرافق، دلوقتي عايزين ياخدوه من غير حتى ما يفكروا إحنا هنسكن فين.. أي تعويض مش هيعوضنا عن اللي ضاع مننا".
بينما أضاف آخر: "هناك مساحات خالية كثيرة يمكن استغلالها للمشروع، أما منازلنا فهي خط أحمر. لن نتركها تحت أي ظرف، قرارنا واحد ولن يتغير".