في خطوة أثارت موجة غضب واسعة بين المزارعين وأصحاب الأراضي، أعلن جهاز مدينة أسيوط الجديدة عن نيته ضم نحو 3,500 فدان من الأراضي المستصلحة منذ الثمانينيات لصالح مشروعات التوسع العمراني للمدينة، الأمر الذي اعتبره الأهالي اعتداءً صارخاً على حقوقهم، ومحاولة لمصادرة جهد عقود طويلة تحوّلت خلالها هذه الأراضي من صحراء جرداء إلى واحات خضراء مليئة بالنخيل والمزروعات.
أراضٍ تحولت لواحات خضراء بعد عقود من الجهد والإنفاق
الأراضي التي يسعى الجهاز للاستيلاء عليها كانت حتى مطلع الثمانينيات مجرد مساحات صحراوية قاحلة، قبل أن يبدأ المستصلحون الأوائل رحلتهم الشاقة في استصلاحها وزراعتها.
وبحسب شهادات الأهالي، فإن هذه الأراضي تضم اليوم مزارع للنخيل تجاوز عمرها الأربعين عاماً، إضافة إلى أشجار الزيتون والموالح، ما يجعلها ثروة زراعية ذات قيمة عالية، ليس فقط من حيث الإنتاج، بل أيضاً من حيث الاستثمارات الضخمة التي ضخّها الأهالي على مدار عقود.
يقول الحاج عبدالجواد، أحد المستصلحين: "منذ أكثر من أربعين سنة ونحن نزرع هذه الأرض، صرفنا عليها ملايين الجنيهات، وحفرنا الآبار، وأقمنا شبكات ري، واليوم يريدون أخذها وكأنها ملك بلا أصحاب. هل هذا عدل؟"
ويضيف آخر: "الأرض ليست مهجورة كما يدّعون، بل منتجة وبها نخيل مثمر، نحن ورثناها عن آبائنا وسنتركها لأولادنا، ولن نسمح لأحد بمصادرتها لصالح الأبراج والإسكان الفاخر."
التوسع العمراني يلتهم الأرض الزراعية
المفارقة الصادمة أن هذا الإجراء يأتي في وقت تعاني فيه مصر من تراجع الرقعة الزراعية، واعتمادها المتزايد على استيراد الغذاء في ظل أزمة الدولار وارتفاع أسعار الحبوب والزيوت عالميًا.
فبدلاً من حماية الأراضي المستصلحة وتشجيع التوسع في الزراعة، تتجه الحكومة – ممثلة في جهاز مدينة أسيوط الجديدة – إلى تحويل هذه الأراضي إلى كتل خرسانية، بحجة خدمة مشروعات التنمية العمرانية.
خبراء الاقتصاد حذروا مراراً من خطورة هذه السياسات التي تفرّط في الأمن الغذائي لصالح مشروعات عقارية تستهدف تحقيق أرباح آنية، معتبرين أن ما يحدث في أسيوط مثال حي على تغليب المصالح الاستثمارية الضيقة على حساب المصلحة القومية.
موقف الأهالي: رفض وتصعيد
أهالي الأراضي المستصلحة أعلنوا رفضهم القاطع لقرارات الجهاز، مؤكدين أنهم لن يفرطوا في شبر واحد من أرضهم التي سُقيت بعرقهم على مدار أربعين عاماً.
وقد لجأ بعضهم إلى تقديم شكاوى للجهات الرسمية، فيما لوّح آخرون بالتصعيد الإعلامي والقضائي إذا لم يتم التراجع عن القرار.
"نحن لسنا معتدين على أرض الدولة، بل استصلحناها بمجهودنا الخاص، والجهات الحكومية كانت على علم بذلك منذ البداية. اليوم يريدون نزعها دون أي تعويض عادل، وهذا أمر لن نقبل به"، يقول المهندس مجدي، أحد أبناء المنطقة.
انتقادات لسياسات الحكومة وتجاهل حقوق المواطنين
قانونيون وخبراء يرون أن هذه القرارات تفتقد إلى العدالة الاجتماعية، وتتناقض مع الشعارات الرسمية عن دعم الزراعة وتحقيق الاكتفاء الذاتي.
الدكتور عمار علي حسن، الباحث في الشؤون الاجتماعية، علّق قائلاً: "مصادرة أراضي استصلحها مواطنون منذ عقود يمثل انتهاكاً صريحاً لحق الملكية الذي يكفله الدستور، ويكشف عن خلل في أولويات الدولة، التي يبدو أنها تفضل الاستثمار العقاري على التنمية الزراعية المستدامة."
أما الخبير الاقتصادي تامر النحاس فيرى أن: "تحويل أراضٍ زراعية منتجة إلى مناطق عمرانية ليس مجرد خطأ اقتصادي، بل جريمة بحق الأمن الغذائي، خصوصاً في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية، حيث نحتاج إلى كل شبر مزروع لتقليل فاتورة الاستيراد التي تلتهم احتياطي النقد الأجنبي."
المستقبل غامض والمعركة مستمرة
حتى الآن، لم يصدر أي رد رسمي واضح من جهاز مدينة أسيوط الجديدة يوضح أسباب الإصرار على ضم هذه الأراضي، أو يطرح حلولاً عادلة تحفظ حقوق الأهالي الذين أفنوا أعمارهم في تعمير الصحراء.
في المقابل، تتصاعد حالة الغضب الشعبي، وسط مخاوف من اندلاع مواجهات أو احتجاجات واسعة إذا لم تتراجع الحكومة عن قرارها.
يبقى السؤال: هل ستنصت السلطات لصوت العقل وتحافظ على ما تبقى من الأراضي الزراعية التي تحققت بعرق الفلاحين، أم ستستمر في سياسة نزع الملكية لصالح مشروعات الإسكان الفاخر، لتتكرر مأساة "أرض الدولة" التي يدفع ثمنها المواطن البسيط وحده؟