تواجه منطقة طوسون بمحافظة الإسكندرية واحدة من أعقد أزماتها خلال السنوات الأخيرة، بعدما بدأت حكومة عبدالفتاح السيسي، تنفيذ خطة تطوير كبرى تشمل إنشاء طريق جديد يربط محور المحمودية بمدينة أبو قير الجديدة، وهو المشروع الذي قد يمتد أثره إلى إزالة آلاف المنازل وتشريد ما يقارب 6000 أسرة، وفق شهادات السكان ومحامي الأهالي، إضافةً إلى تهديد كنيسة وثلاثة مساجد أحدها يضم مقر جمعية خيرية.
الأهالي يعيشون حالة من القلق المتصاعد، بعدما تسلموا إشارات رسمية غير مباشرة تفيد بأن الإزالة «مسألة وقت»، خاصة عقب حصر أولي شمل 227 بناية في يوليو الماضي، ضمنها دور عبادة ومبانٍ كاملة المرافق، بحسب ما أفاد به سكان المنطقة.
قرارات رسمية ولجان عسكرية
الأزمة تعود إلى قرار محافظ الإسكندرية رقم 88 لسنة 2025، القاضي بتشكيل لجنة تضم مسؤولين محليين وممثلين عن إدارة المهندسين العسكريين، تتولى أعمال الحصر المبدئي للتعارضات مع مسار الطريق الجديد الذي يبلغ طوله 23 كم.
اللجنة قسمت عملها إلى ثلاث مراحل تبدأ من محيط مزلقان 25 في طوسون، حيث رصدت مقاومة شعبية قوية خلال محاولات الحصر، خاصة في مناطق عزبة الكوبانية وعزبة المكنة، الأمر الذي أدى إلى تعطيل عملها مؤقتًا.
أحد السكان أكد أن أعضاء اللجان كانوا يتجنبون الإفصاح عن الهدف المباشر من عمليات الحصر، قبل أن يلمّح أحد ضباط البحرية المرافقين لهم بعبارات حادة: «المنطقة كلها هتتاخد وهتتزال».
ضغوط أمنية وأدوات حصر دقيقة
أعمال اللجان تمت وسط وجود أمني كثيف من قوات الأمن المركزي، واستخدام أجهزة رفع مساحة فوق أسطح العقارات، وجمع بيانات تفصيلية عن مساحات الشقق وعدد السكان، ما أثار مخاوف الأهالي من أن الإزالة باتت أمرًا محتملاً.
وبحسب ما نقله السكان، رفض بعض الأهالي السماح بدخول اللجان إلى منازلهم، فواجهوا ردًا صادمًا من بعض الموظفين: «خلاص، بكرة تجروا إنتو ورانا عشان نعمل لكم حصر.. إنتو كده بالنسبة لنا مش موجودين».
محاولات استغاثة وشكاوى رسمية
المحامي محمد رمضان، الموكل عن عدد من الأهالي، أكد أنه تقدم بشكاوى إلى رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء ووزير النقل، للمطالبة بإعادة النظر في المشروع لما له من آثار اجتماعية واقتصادية مدمرة، مشددًا على أن المنطقة كاملة المرافق والمصالحات القانونية.
كما أوضح رمضان أن هذه ليست المرة الأولى التي تواجه فيها المنطقة خطر الإزالة، فقد شهدت محاولات مماثلة عام 2008 في عهد المحافظ الأسبق عادل لبيب، لكنها توقفت بحكم قضائي بعد اعتراض الأهالي.
وأضاف أن سكان المنطقة كانوا قد سووا أوضاع ملكياتهم مع هيئة الإصلاح الزراعي بعد 2011، وأجروا مصالحات على مخالفات البناء، مشيرًا إلى أن معظم الأهالي اشتروا الأراضي بشكل رسمي منذ التسعينيات بعد ردم ترعة حكومية.
غياب البدائل ومعاناة اقتصادية
الأهالي يرون أن أخطر ما في الأمر هو غياب أي خطط معلنة للتعويض أو إعادة التسكين. مصدر مطلع قال إن الهيئة الهندسية للقوات المسلحة أخبرت بعض السكان أن مسؤولية التعويض تقع على محافظة الإسكندرية، وأن الأرض ستُسلَّم للهيئة «خالية تمامًا» للشروع في تنفيذ الطريق.
هذا الموقف أثار مخاوف مضاعفة بين الأهالي الذين أكدوا أن أي إزالة دون توفير بدائل سكنية مناسبة تعني تشريد آلاف الأسر في وقت يشهد فيه السوق العقاري ارتفاعًا قياسيًا في أسعار الشقق والمساكن، يجعل من المستحيل على معظم الأسر شراء مسكن بديل أو حتى استئجاره.
أزمة إنسانية واجتماعية تلوح في الأفق
بين خطط التطوير الحكومية ومخاوف التشريد الشعبي، يقف سكان طوسون في مواجهة غامضة مع المستقبل.
فبينما تتحدث الدولة عن مشروعات تنموية كبرى وتوسعة لشبكات الطرق، يواجه المواطنون خطر فقدان بيوتهم التي عاشوا فيها لعقود، وسط أزمة اقتصادية خانقة، وبلا بدائل معلنة تضمن حقهم في السكن الكريم.