في واقعة تكشف مجددًا هشاشة المنظومة البيئية وضعف الرقابة الحكومية، أعلنت وزارة البيئة أنها "احتوت" بقعة زيتية في نهر النيل بمحافظة الأقصر، ووصفتها بأنها "خفيفة"، مؤكدة أن محطات مياه الشرب لم تتأثر.
ولكن على الأرض، يروي المواطنون قصة مغايرة تمامًا: مياه ذات طعم غريب وروائح غير معتادة، وقلق يتزايد في الشارع من كارثة بيئية تُقابل بالاستخفاف الرسمي.

 

تصريحات مطمئنة.. ولكن الواقع مختلف
جاء بيان وزارة البيئة مقتضبًا ومليئًا بالعبارات المكررة عن "احتواء" الأزمة و"السيطرة" على الموقف، لكن هذه التصريحات لم تمنع موجة الغضب التي اجتاحت الأهالي، الذين يؤكدون أن المياه تغيرت بالفعل وأن الحكومة تمارس سياسة الإنكار المعتادة.
السؤال الذي يطرحه المواطنون اليوم هو: إذا كانت البقعة "خفيفة" كما تقول الوزارة، فلماذا تغير طعم ورائحة المياه في عدد من أحياء الأقصر؟
 

مواطنون: الحكومة تخفي الحقيقة
أحمد حسن، من سكان منطقة العوامية، يقول: "نشرب من النيل منذ أجيال، لكن هذه أول مرة نشعر بأن المياه ملوثة بهذا الشكل. المسؤولون يقولون إنها بقعة صغيرة، لكن ماذا عن التغير في الطعم؟ لماذا لا يقولون الحقيقة كاملة؟"

بينما أضافت سلمى محمد من حي المنشية: "منذ مساء أمس، والمياه لها طعم ورائحة سيئة. بدأنا نشتري المياه المعدنية، ولا نثق في أي تصريح حكومي. كل مرة يقولون الأمور تحت السيطرة، ثم نكتشف أن الكارثة أكبر."

هذه الشهادات تكشف التناقض الصارخ بين البيانات الرسمية وبين الواقع الذي يعيشه الناس، مما يثير تساؤلات خطيرة حول غياب الشفافية الحكومية في قضايا تمس صحة المواطنين.
 

كارثة متكررة وليست الأولى
ليست هذه المرة الأولى التي يظهر فيها تلوث في نهر النيل، سواء على شكل بقع زيتية أو مخلفات صناعية. هذه الحوادث تكررت مرارًا في السنوات الأخيرة، ومع كل واقعة نسمع العبارات نفسها: "تمت السيطرة" و"لا خطر على المواطنين".
الحقيقة أن هذه التصريحات أصبحت وسيلة للتغطية على فشل المنظومة الرقابية التي تركت نهر النيل – شريان الحياة للمصريين – عرضة للتلوث، سواء من المراكب السياحية أو المصانع أو شبكات الصرف غير القانونية.
 

خبراء يحذرون.. لكن الحكومة تتجاهل
يقول الدكتور محمود عبد الغفار، أستاذ علوم البيئة: "حتى البقع الزيتية الصغيرة تمثل تهديدًا كبيرًا إذا لم يتم التعامل معها بشكل علمي، لأنها قد تلوث مآخذ محطات الشرب وتؤثر على صحة الناس. المشكلة أن الاستهانة بهذه الأزمات هي ما يجعلها تتكرر."

لكن يبدو أن الحكومة اعتادت التعامل مع الكوارث البيئية كأنها مجرد أخبار يمكن السيطرة عليها إعلاميًا، بدلاً من وضع خطط وقائية صارمة، وهو ما يضاعف المخاطر على الصحة العامة.
 

أين الرقابة؟ وأين الشفافية؟
الواقعة الأخيرة تفضح غياب آليات الرقابة الحقيقية على نهر النيل، وتكشف أن الجهات المسؤولة لا تتحرك إلا بعد وقوع الكارثة، في غياب أي استراتيجية وقائية. الأخطر من ذلك أن المواطنين لا يحصلون على المعلومات الدقيقة في الوقت المناسب، رغم أن الدستور يكفل الحق في المعرفة.
بدلاً من إعلام الناس بحجم الخطر وخطوات المعالجة، تكتفي الحكومة ببيانات إنشائية، متجاهلة القلق الشعبي ومخاوف الأهالي، وكأن حياة ملايين المصريين يمكن تهدئتها بعبارات "لا يوجد تأثير على المياه".
 

الأزمة أكبر من بقعة زيتية
ما حدث في الأقصر ليس حادثًا عارضًا، بل هو مؤشر على تدهور المنظومة البيئية في مصر، وانعدام الشفافية الحكومية في التعامل مع قضايا تمس حياة المواطنين مباشرة.
بينما تستمر الجهات الرسمية في التخفيف من حجم الكارثة، يبقى السؤال: كم مرة يجب أن نرى بقع زيتية وتلوثًا في النيل حتى تعترف الحكومة بوجود أزمة حقيقية؟