تشهد محافظات الصعيد أزمة خانقة في توافر ألبان الأطفال، حيث تعاني الصيدليات والمراكز الطبية من نقص شديد في عبوات الألبان المدعمة والبديلة، ما دفع الأهالي إلى إطلاق صرخات استغاثة عبر مقاطع فيديو منتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي، يحكون فيها مأساة الرضع الذين يواجهون خطر الجوع والمرض في ظل غياب تام لدور الدولة.

 

شهادات الأهالي: "أولادنا بيموتوا من الجوع"

في حديث لسيدة من إحدى قرى محافظة المنيا،  مع أحد المواقع قال المراسل "أن السيدة ظهرت تبكي وهي تحمل رضيعها قائلة: "بلف على 10 صيدليات عشان ألاقي علبة لبن، ومش لاقية… ابني بيموت قدامي ومفيش حد سامعنا". ونقل رواية أخرى من أسيوط، معربا أن  أحد الآباء قال له : "إحنا مش عارفين نأكل عيالنا، اللبن اختفى من السوق، والعلبة اللي كانت بـ65 جنيه وصلت لـ200، لو لقيناها أصلًا… الحكومة سايبة ولادنا يموتوا".

هذه الشهادات ليست فردية، بل تتكرر يوميًا في محافظات سوهاج وقنا والأقصر، حيث يؤكد الأهالي أن الأزمة طالت كل الأسر تقريبًا، وأنهم مضطرون إما لتقليل عدد الرضعات أو اللجوء لحليب غير مناسب صحيًا، مما يهدد حياة الأطفال بمضاعفات خطيرة.

 

أصابع العسكر في السوق

ورغم تبريرات وزارة الصحة التي تلقي باللوم على "زيادة الاستهلاك" أو "مشاكل الاستيراد"، فإن الوقائع على الأرض تشير إلى أن شركات تابعة للمؤسسة العسكرية تسيطر على سوق استيراد وتوزيع الألبان.

هذه السيطرة الاحتكارية خلقت ندرة مفتعلة، سمحت بارتفاع الأسعار وتضييق المعروض، في الوقت الذي يُترك فيه المواطن الفقير لمصيره.

ونقلت أحد المواقع عن أحد الصيادلة في بني سويف قوله : "الألبان بتدخل المخازن الكبيرة الأول، واللي ماسكها جهات معروفة، وبعدين تنزل السوق بالقطارة علشان السعر يزيد"، مضيفًا أن "الأزمة مش أزمة استيراد… الأزمة أزمة جشع واحتكار".

 

غياب الدولة وصمت الحكومة

الأهالي يؤكدون أن الأزمة ليست جديدة، لكنها تتفاقم كل عدة أشهر مع غياب حلول جذرية. بدلًا من وضع آليات عادلة لتوزيع الألبان، تكتفي حكومة السيسي بوعود مؤقتة أو تصريحات للاستهلاك الإعلامي. بل إن المراكز الصحية في القرى أغلقت أبوابها أمام الأمهات بحجة عدم وصول حصص الألبان، مما أجبرهن على اللجوء للسوق السوداء. هذا المشهد دفع كثيرين إلى القول إن الدولة "ترفع يدها عمدًا" لتترك المواطن تحت رحمة العسكر وتجار السوق.

وأخيرا فأزمة ألبان الأطفال في الصعيد ليست مجرد أزمة تموينية عابرة، بل جريمة مكتملة الأركان يتحمل مسؤوليتها نظام جعل حياة الرضع رهينة للمكاسب التجارية والاحتكار العسكري. في وقت تصرف فيه حكومة السيسي المليارات على مشروعات لا يستفيد منها المواطن البسيط، تُترك آلاف الأمهات في طوابير الانتظار، يحملن أطفالهن الجوعى ويبحثن عن علبة لبن مفقودة. والسؤال: هل صار حق الرضع في الغذاء رفاهية في عهد العسكر؟