في ظل تصاعد الانتهاكات داخل السجون وأماكن الاحتجاز، أطلقت حملة "لا تسقط بالتقادم – خريطة التعذيب" التابعة للمفوضية المصرية للحقوق والحريات، تقريرها السنوي الجديد، والذي وثّق 75 حالة تعذيب داخل السجون ومقار الاحتجاز الرسمية خلال الفترة من يناير 2024 وحتى يونيو 2025، وسط بيئة قانونية وأمنية تتسم بالتقييد والتضييق الشديد.
وجاء التقرير بعنوان: "توثيق ممنوع وتقاضٍ معطّل: تواطؤ ممنهج يرسّخ الإفلات من العقاب في جرائم التعذيب"، ليسلط الضوء على واحدة من أكثر الأزمات الحقوقية تعقيدًا في البلاد، ويكشف استمرار الانتهاكات الجسيمة رغم الإدانات الدولية والتحذيرات الحقوقية المتكررة.
أرقام مقلقة ونمط مستقر من الانتهاكات
أظهرت نتائج التقرير أن التعذيب في أماكن الاحتجاز ليس حالات فردية أو طارئة، بل نمط مستقر. فمن أصل 75 حالة موثقة، وقعت 50.6% منها خلال عام 2024، بينما سجلت 49.3% في النصف الأول من عام 2025، ما يؤشر إلى غياب أي تراجع في وتيرة الانتهاكات.
وفي تفصيل لافت، أشار التقرير إلى أن 91% من الانتهاكات وقعت داخل أماكن احتجاز رسمية، مثل السجون وأقسام الشرطة، ما يضع المسؤولية القانونية المباشرة على وزارة الداخلية والجهات الأمنية الخاضعة للدولة.
البحيرة تتصدر... ومؤشرات على نمط ممنهج
من بين جميع المحافظات، سجّلت محافظة البحيرة أعلى نسبة من حالات التعذيب، إذ استحوذت وحدها على نحو 32% من إجمالي الحالات.
ويرجّح التقرير أن هذا التركّز الجغرافي لا يعكس فقط ضعفًا في الرقابة، بل ربما يشير إلى وجود سياسة ممنهجة أو تساهل مؤسسي مع الانتهاكات في هذه المنطقة.
توثيق ممنوع ومسارات تقاضي مغلقة
التقرير لا يكتفي بإحصاء الانتهاكات، بل يبرز أيضًا التحديات البنيوية التي تمنع وصول الضحايا إلى العدالة، حيث رُصدت عدة معوقات:
- تكلفة التقاضي المرتفعة، التي تُقصي الفئات الأفقر من المطالبة بحقوقهم.
- غياب الدعم القانوني المجاني وتهديد الشهود والتلاعب بالأدلة.
- غياب تشريع موحَّد يجرّم التعذيب بصورة تتماشى مع المعايير الدولية.
- تراكمات قانونية ومؤسسية تُعطّل المساءلة وتُجهض أي محاولة للمحاسبة.
ويشير التقرير إلى أن تلك العقبات لا تُفرغ العدالة من مضمونها فحسب، بل تكرّس لواقع من الإفلات التام من العقاب، وتُشجّع على تكرار الانتهاكات دون رادع.
دعوات لإصلاح جذري وتشريعي
دعت المفوضية المصرية للحقوق والحريات، في ختام تقريرها، إلى تنفيذ عدد من الإجراءات العاجلة لوقف التعذيب، أبرزها:
- إصلاح تشريعي فوري لتعريف وتجريم التعذيب دون قيود أو استثناءات.
- إصدار تعليمات ملزمة للنيابة العامة بشأن التحقيق الجاد في بلاغات التعذيب.
- تعزيز الإشراف القضائي الفعلي على أماكن الاحتجاز كافة، بما فيها مقار الأمن الوطني.
- تسهيل إجراءات التقاضي وتوفير المساعدة القانونية المجانية للضحايا.
- الانضمام إلى البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب.
كما شددت على ضرورة تمكين منظمات المجتمع المدني من القيام بدورها في التوثيق والتقاضي، وتوسيع آليات الإبلاغ والدعم القانوني، ومواصلة حملات التوعية وتوثيق النجاحات الحقوقية لتوسيع أثرها.
تحذيرات دولية: مناخ قمعي وغياب كامل للمحاسبة
ولم تكن المفوضية المصرية الوحيدة التي دقّت ناقوس الخطر.
فقد أكدت منظمة هيومن رايتس ووتش أن جلسة المراجعة الدورية الشاملة في مجلس حقوق الإنسان بجنيف (يناير 2025) شهدت أكثر من 370 توصية دولية لمصر، ركّز كثير منها على قضايا التعذيب والاحتجاز التعسّفي.
أما منظمة العفو الدولية، فقد ذكرت في تقريرها السنوي عن مصر لعام 2024 أن "الإفلات من العقاب ظل القاعدة"، مشيرة إلى أن السلطات لم تحاكم أي مسؤول أمني رفيع رغم الأدلة المتزايدة على وقوع انتهاكات جسيمة.
وفي السياق ذاته، أبدت لجنة مناهضة التعذيب التابعة للأمم المتحدة، في خطاب متابعة (مايو 2025)، "قلقًا بالغًا" من فشل مصر في تنفيذ التوصيات الأساسية للجنة، وعلى رأسها غياب قانون شامل يجرّم التعذيب بما يتماشى مع المعايير الدولية.
https://www.facebook.com/ecrf.net/posts/1164255242412978?ref=embed_post