يؤكد الكاتب د. مصطفى فتوري في مقال نشره موقع ميدل إيست مونيتور أن الإمارات تلعب دورًا محوريًا في إشعال النزاعات في المنطقة، وعلى رأسها الحرب الدموية في السودان، دون أن تتحمل تبعات قانونية أو سياسية. يشير إلى أن قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان وجّه اتهامًا مبطّنًا إلى أبوظبي خلال كلمته أمام الأمم المتحدة، مؤكدًا أن التدخل الخارجي أطال أمد الحرب. السودان اتخذ خطوة غير مسبوقة حين رفع شكوى ضد الإمارات أمام محكمة العدل الدولية يتهمها بالتواطؤ في جرائم إبادة، إلا أن المحكمة رفضت القضية لغياب الاختصاص، لأن الإمارات لا تعترف بالبند التاسع من اتفاقية منع الإبادة، ما يمنحها حماية قانونية رغم أنها تحتفظ بعضوية الاتفاقية.
سجلات الرحلات الجوية التي قدمها السودان إلى المحكمة توضح حركة نشطة لطائرات شحن عسكرية من طراز إليوشن 76 قادمة من الإمارات إلى تشاد، وهي الجارة الغربية للسودان. هذه الطائرات حملت أسلحة ومعدات نُقلت برًا إلى مناطق يسيطر عليها الدعم السريع في دارفور. تقرير لجنة خبراء الأمم المتحدة، الذي سُرّب للصحافة في أبريل، وصف هذه الرحلات بأنها نمط منتظم أسس لجسر جوي إقليمي جديد يدعم المجهود الحربي للدعم السريع.
السودان قدّم أيضًا أرقام تسلسلية لقذائف مورتر صودرت من قافلة متجهة للدعم السريع عام 2019، وقد تبيّن أنها من مصنع بلغاري صدّرها إلى الإمارات. تقرير لمنظمة العفو الدولية في مايو 2024 كشف أن أسلحة صينية وُجدت في الخرطوم ودارفور أعيد تصديرها من الإمارات، مؤكّدًا أن مجلس الأمن فشل في تنفيذ حظر السلاح على دارفور.
دور الإمارات التخريبي لا يقتصر على السودان، بل يمتد إلى ليبيا حيث بدأت تدخلاتها بوضوح عام 2011 بعد مشاركتها في الحرب التي أطاحت بالقذافي. الإمارات دعمت الجنرال خليفة حفتر بالأموال والسلاح وساعدته على تعزيز سيطرته على شرق ليبيا. في 2020، استهدفت طائرة إماراتية بدون طيار أكاديمية عسكرية في طرابلس، ما أدى إلى مقتل أكثر من 26 طالبًا أعزل، لكن الهجوم فشل في النهاية، واضطر حفتر إلى التراجع.
تسعى الإمارات من خلال هذه التحركات إلى تشكيل توازنات إقليمية جديدة عبر شبكة من الوكلاء المحليين. وفي السودان، يظهر الذهب كدافع اقتصادي رئيسي. قُدّر إنتاج السودان من الذهب في 2024 بنحو 80 طنًا، تُقدّر قيمتها بـ6 مليارات دولار، لكن الجزء الأكبر منها يُهرّب إلى الخارج، وغالبًا إلى الإمارات التي تُعد معبرًا رئيسيًا للذهب المهرب، ما يجعل الذهب مصدر تمويل مهم لحرب الدعم السريع.
رغم أن لا تقارير أممية تدين حفتر مباشرة في دعم الدعم السريع، إلا أن الجيش السوداني يواصل اتهامه. في يونيو 2025، انسحب الجيش من منطقة حدودية استراتيجية مع ليبيا، متهمًا قوات موالية لحفتر بالهجوم عليه، بينما نفى حفتر ذلك. تشير هذه الحوادث إلى أن الإمارات ربما تستخدم حفتر كأداة غير مباشرة لتعزيز مصالحها في السودان.
ورغم كل الأدلة التي كشفتها التقارير، لم تُصدر الدول الغربية موقفًا واضحًا ضد الدور الإماراتي. يصف الكاتب هذا الصمت بأنه صمت انتقائي يتكرر في قضايا أخرى، كما يحدث مع الدعم المستمر لإسرائيل في ظل اتهامات بارتكابها جرائم ضد الإنسانية في غزة. هذا التحيز يكشف عن ازدواجية صارخة في مواقف الغرب تجاه حقوق الإنسان.
لا يبدو أن الإمارات ستتراجع عن تدخلاتها الإقليمية ما لم تواجه ضغطًا دبلوماسيًا حقيقيًا من أطراف مؤثرة مثل مصر والسعودية والاتحاد الإفريقي. وفيما يغضّ الطرف كلّ من القاهرة والرياض، أبدى الاتحاد الإفريقي بعض التحفظ، خصوصًا بعد انتقاد مفوضة الشؤون الإنسانية السودانية لاجتماع نظّمته الإمارات وشارك فيه الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس مفوضية الاتحاد المنتهية ولايته، واعتبرته محاولة لتبييض دور أبوظبي في إشعال الحرب.
ينتهي المقال بالإشارة إلى أن المجتمع الدولي أخفق في حماية السودان، كما أخفق سابقًا في ليبيا ويفعل الآن في غزة. ومع غياب عملية سلام جادة، واستمرار الأطراف الدولية في الصمت أو التواطؤ، تبقى فرص الاستقرار بعيدة. وحتى تتحقق هزيمة حاسمة للدعم السريع، وهو احتمال ضعيف حاليًا، فإن الحرب مرشحة للاستمرار، والإمارات ستظل تحرك خيوطها من بعيد.
https://www.middleeastmonitor.com/emirates-of-chaos-how-the-uae-fuels-war-and-walks-free/