لم يعد الغش في امتحانات الثانوية سلوكًا فرديًا معزولًا، بل تحوّل إلى ممارسة جماعية تُشجّع عليها شبكات منظمة، توفّر الوسائل التقنية المتطورة، مما يُحوّل لحظات التقويم إلى سوق سوداء نشطة، لا تخضع إلا لقوانين الربح والخسارة.

وأصبح الغش العنيف واقعًا متكررًا في لجان امتحانات 2025. ففي المنوفية، اعتدى طالب على مراقبة أثناء منعها وصوله لهاتف محمول، ما دفعه للضرب بقلمه وقطّع أوراق زملائه.

وفي محافظات أخرى، توثّقت محاولات تهرب من العقاب بمزاعم "تبجح الأهالي" الذين يضغطون على المراقبين للتغشيش لضمان مستقبل أبنائهم، ما زاد من توتر الموقف داخل قاعات الامتحانات.

 

كشف "شاومينج": تجسّد الغش الإلكتروني

تصاعدت محاولات الغش الإلكتروني هذه السنة بتنسيق صفحات مثل "شاومينج بيغشش" على منصات التواصل، التي نشرت أسئلة امتحانات للثانوي والإعدادي قبل بدء اللجان. وضبطت وزارة التعليم حالات تسريب خاصة بمادة اللغة الإنجليزية للثانوي، وتم تهديد المشتبهين بعقوبات صارمة.

 

مطالبة الأهالي بتغشيش أبنائهم

رغم خطورة الغش، يصر بعض أولياء الأمور على الضغط على المراقبين لتسهيل آليات الغش، باعتبارهم يسعونـ على حد زعمهمـ لتأمين مستقبل أبنائهم في امتحان مصيري. واقع صادم يعكس تحوّل الخط الأحمر الأخلاقي إلى حق للنجاح مهما كلف الثمن، وتغاضي مجتمعي عن الأخطار المرتبطة بسقوط القيم تحت شعار «النجاة بأي وسيلة».

 

معركة داخل اللجنة

لم يعد الغش ممارسة فردية لبعض الطلاب، بل تطور الأمر إلى ما هو أبعد من ذلك بالاعتداء على المراقبين داخل اللجان لتمكينهم من الغش في الامتحانات.

ورد بلاغ لقسم شرطة الجيزة، يفيد ضبط طالب لاتهامه بالغش داخل لجنة امتحان، وتبين أن مراقب لجنة ضبط طالب ثانوي بحوزته سماعة بلوتوث خلال أداء الامتحان، واعترف أن شقيقيه يقدمان له مساعدة على الغش، من خلال الاتصال به، وتم ضبطهما.

وكشف أعضاء بلجان النظام والمراقبة بشهادة الثانوية العامة أن مدرسة الشهيد إبراهيم الشال الثانوية المشتركة بإدارة الشهداء التعليمية بمحافظة المنوفية شهدت توترا غير معهود.

حسب رواية الملاحظين، اشتبك طالب مع مراقب وطرحه أرضا داخل لجنة الامتحان، ثم اعتدى عليه بقلمه محدثا جرحا قطعيا في جسده استلزم تدخلا جراحيا لغلقه بسبع غرز.

ثار الطالب وقطع ورقة الإجابة الخاصة به، ولم يتوقف عند هذا الحد، بل مزق أوراق زملائه داخل اللجنة وهم بالفرار.

لم تنجح قوات الأمن المتواجدة داخل المدرسة من السيطرة على الطالب الذي قفز من أعلى سور المدرسة هربًا، وانتهت مطاردته باختفائه عن الأنظار.

بعد تحرير المحضر اللازم استدعت النيابة العامة والد ووالدة الطالب واحتجزتهما – مع تعارض احتجازهما قانونًا، إلا أن أجهزة شرطة الانقلاب دأبت على احتجاز الأهالي حتى يتم تسليم المتهمين أنفسهم، ما أجبر ابنهما على تسليم نفسه.

 

تقييم رسمي وجلسات متابعة

أكدت وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني أن العقوبات المقررة ضد الطلاب الذين يثبت تورطهم في الغش أثناء امتحانات الثانوية العامة، تأتي في إطار الحرص على حماية نزاهة الامتحانات وضمان العدالة بين جميع الطلاب. وتنص التعليمات الرسمية على أنه يتم تحويل أي طالب يتم ضبطه متلبسًا بالغش أثناء الامتحان إلى لجنة خاصة منفصلة لاستكمال بقية امتحاناته بها، مع تحرير محضر رسمي بالواقعة.

ولا يقتصر الأمر عند هذا الحد، إذ تطبق الوزارة عقوبات أخرى وفقًا لحجم المخالفة ونوعها، تتدرج من إلغاء امتحان المادة التي وقعت فيها المخالفة، إلى إلغاء امتحانات الطالب في جميع المواد لهذا العام، مع حرمانه من دخول امتحانات الدور الثاني، إذا ثبت استخدامه أدوات إلكترونية أو التورط في محاولات جماعية للغش، وتستعين بقانون مكافحة الغش ضد الطالب والمراقب المسؤول في حال الإخلال بالتعليمات .

وأكدت الوزارة تواجد غرف عمليات مركزية على مستوى المحافظات، وربطها بغرف الجهات الأمنية لضمان الرد الفوري والتدخل القانوني عند وقوع أي حادث.

للتصدي للظاهرة، أعلنت الوزارة عن خطة شاملة تضمنت:

  • منع الهواتف داخل اللجان وتفتيش الطلاب بتكثيف أعداد المراقبين (يتراوح عددهم بين 4 إلى 6 في بعض اللجان) .
  • تركيب كاميرات مراقبة مرتبطة بغرف عمليات مركزية لمتابعة أي مخالفات.
  • اعتماد نظام "البوكليت" للأول والثالث الإعدادي، حيث تُوزّع أوراق مختلفة من بنك موحّد لكل لجنة لتقليل فرص الغش الجماعي.
  • رفع درجات العقوبة القانونية ضد الغش (حبس حتى 7 سنوات وغرامات حتى 200 ألف جنيه).

 

التوعية والمراجعة الثقافية

وتناول العديد من الخبراء الآثار الاجتماعية والنفسية على ممارسة الغش في الامتحانات، وأكد الدكتور عاصم حجازي، أستاذ علم النفس التربوي بجامعة القاهرة، أن "التصدي للغش يجب أن يبدأ من التوعية الأخلاقية المبكرة، والتعليم على قيم النزاهة منذ المراحل الأولى، وتخفيف ضغوط القبول في كليات القمة من خلال تنويع التخصصات الجامعية والأساليب التعليمية".

ويقترح أيضًا توسيع نظام الاختبارات الإلكترونية وخلق بنك أسئلة مصمم علميًا لتوليد نسخ متعددة من الاختبارات، مما يمنع تسريبها ويحمي تكافؤ الفرص.

ويرى الكاتب الصحافي سليم ياسين أن خطورة الغش تكمن في كونه لا يُهدّد فقط مصداقية الامتحانات، بل يضرب في العمق جوهر العملية التعليمية، التي يُفترض أن تكرّس قيم الجهد والمثابرة وتُنمي قدرات التحليل والإنتاج الفكري. لقد تفشى هذا السلوك في مختلف المستويات التعليمية، نتيجةً لعوامل متشابكة، على رأسها الهوس المجتمعي بالشهادات والنقاط المرتفعة، في ظل غياب حقيقي للوعي بقيمة التعلم كأداة للارتقاء الفردي والجماعي.

ويؤكد أن معالجة هذا الوضع لا يمكن أن تتم إلا عبر مراجعة شاملة لمنظومة التقييم، وإعادة الاعتبار لقدرة التلاميذ على التفكير والتحليل عوضًا عن الحفظ والتلقين. فمتطلبات العصر تفرض على المدرسة أن تفتح أبوابها أمام الإبداع والابتكار، وتُكرّس الحرية في البحث العلمي، وهذا لا يتحقق عبر الغش أو تضخيم النقاط، بل عبر جدية العمل والوعي بقدسية المعرفة.

ويرى أنه في المحصلة، لا يُمكن بناء مجتمع متماسك ومبدع بشهادات خالية من المضمون، بل بعقول نيرة قادرة على التعبير والفهم والإنتاج. وحدها هذه العقول قادرة على إضاءة دروب التعليم، وإعادة الأمل إلى مدرسة ما تزال تئن تحت وطأة الأرقام المنفوخة والضمائر الغائبة.

جدير بالذكر أنه من المقرر أن يؤدى طلاب الثانوية العامة يوم الخميس الموافق 26/ 6/ 2025 (النظامين الجديد والقديم) امتحان الدور الأول في مادة الفيزياء لشعبة العلوم والرياضيات، ومادة التاريخ للشعبة الأدبية، ويؤدي طلاب مدارس المتفوقين للعلوم والتكنولوجيا اختبار الاستعداد للقبول بالجامعات (اللغة الإنجليزية)، بينما يؤدي طلاب مدارس المكفوفين (النظام القديم) يوم الأربعاء الموافق 25/ 6/ 2025 امتحان مادة الفلسفة في الفترة الأولى، وامتحان مادة المنطق في الفترة الثانية، ويؤدي طلاب مدارس المكفوفين (النظامين الجديد والقديم) يوم الخميس الموافق 26/ 6/ 2025 امتحان مادة اللغة الأجنبية الأولى (ورقة أولى).