يثير فشل "قافلة الصمود"، التي عادت إلى تونس الخميس الماضي بعد محاولتها الوصول إلى معبر رفح بين مصر وقطاع غزة، تساؤلات جادة حول طبيعة الدور المصري في تعميق الحصار والتجويع المفروض على غزة منذ 7 أكتوبر 2023.

واجهت القافلة، التي ضمّت أكثر من 1500 ناشط من دول عربية وغربية، عراقيل أمنية واعتقالات وتعديات وترحيلات قسرية، ما أدى إلى فشلها في الوصول إلى غزة، وهو ما يدفع كثيرين للتساؤل: لماذا أوقفت مصر هذه القافلة التضامنية؟
 

حملة إعلامية ممنهجة

شنّت السلطات المصرية، قبل وصول القافلة، حملة إعلامية شرسة قادها إعلاميون محسوبون على أجهزة الأمن والاستخبارات، واتهموا منظّمي القافلة بالانتماء إلى جماعة الإخوان المسلمين المصنّفة. نشرت صحيفة اليوم السابع تقريرًا تحت عنوان: "8 مشاهد تكشف ممولي قافلة الصمود وخطة زعزعة استقرار مصر"، مشيرة إلى مشاركة حزب "حركة مجتمع السلم" الجزائري، واتهمت القافلة بمحاولة تصدير "المقاومة من الخارج" لإحراج مصر.

وصف المحلل السياسي ماهر فرغلي، المنتمي لمجموعة إعلامية تابعة للمخابرات المصرية، القافلة بأنها "مهمة للإخوان والموساد"، مدعيًا على فيسبوك أنها "مخطط إخواني دولي تحت غطاء المساعدات الإنسانية". أما الإعلامي أحمد موسى فحذّر على منصة X من "فخ يسعى لوضع مصر في موقف محرج سواء سمحت أو منعت".

وحلل تحقيق أجرته منصة عربي بوست – ومقرها إسطنبول – حلل 20 ألف تغريدة، وخلص إلى أن شبكات إلكترونية موالية للقاهرة شنّت حملة مضادة تحت وسم "قافلة الخيانة".

لكن عضو التنسيق المشترك من أجل فلسطين وفاء كاشيدة أوضحت لصحيفة الشرق الأوسط أن "جميع المشاركين خضعوا للتدقيق ولا يحملون توجهات معادية لسياسات مصر أو تونس أو ليبيا".
 

شروط مسبقة وقمع أمني

اشترطت الخارجية المصرية حصول المشاركين على تأشيرات مسبقة، ثم موافقات أمنية قبل التوجه إلى الحدود مع غزة، وهي خطوات اعتُبرت بمثابة عراقيل متعمدة.

في الوقت ذاته، أطلقت قوات الأمن المصرية حملة قمع بحق المشاركين في "مسيرة التضامن العالمية مع غزة"، التي كان يفترض أن تنطلق من القاهرة للالتحام مع قافلة الصمود عند معبر رفح، حيث جرى ترحيل نحو 400 شخص، بينهم المتحدث باسم المسيرة سيف أبو كشك، بحسب مصادر أمنية تحدثت لـ"رويترز".
 

استجابة لطلب إسرائيلي؟

تظهر المؤشرات أن القاهرة لم تكن ترحب بالقافلة، ربما لأسباب أمنية، أو خشية تسلل عناصر "غير مرغوب فيها"، أو تجنبًا لإغضاب إسرائيل. وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت طالب صراحة السلطات المصرية بمنع "محتجين جهاديين" من الوصول إلى حدودها، زاعمًا أنهم يشكلون خطرًا على الجنود الإسرائيليين.

عبر حليفها في شرق ليبيا، اللواء خليفة حفتر، مارست مصر ضغوطًا لوقف القافلة، إذ أبلغ مسؤولون مصريون السلطات الليبية بعدم السماح لها بالعبور، وفق مصدر رسمي تحدث لـ"مدى مصر". وذكر آخرون أن القاهرة تواصلت مع دول مجاورة لمنع دخول المشاركين لأراضيها، بذريعة "السيادة والأمن القومي".
 

اتهامات بالتواطؤ

أصيب عدد من المشاركين في المسيرة، من بينهم النائب التركي فاروق دينتش، وتمت مصادرة عشرات الجوازات شرق القاهرة. واحتُجز العشرات في مطار القاهرة في ظروف سيئة، مع سحب جوازات سفرهم قبل ترحيلهم قسريًا.

نددت منظمات حقوقية بهذا السلوك، واعتبرت "مؤسسة القانون والديمقراطية" – ومقرها برلين – أن مصر تُعزّز الحصار الإسرائيلي غير القانوني المفروض على مليوني فلسطيني في غزة.

وقال مصدر إغاثي لـ"ميدل إيست مونيتور" إن السلطات المصرية تفرض رقابة صارمة على جمع التبرعات لصالح غزة، وتمنع الفعاليات الجماهيرية المؤيدة لها.
 

إفشال متعمد واستعداد لمحاولة جديدة

يرى محللون أن مصر أفشلت القافلة عمدًا لمنع تكرار هذه المبادرات مستقبلاً، ولتفادي مواجهة محتملة مع إسرائيل في حال تعرّض المشاركون لهجوم. وهناك من يعتبر أن القاهرة تتعامل مع هذه القوافل كجزء من "حرب هجينة" تستهدف مصر أكثر مما تستهدف إسرائيل.

لكن الناطق باسم القافلة وائل نوار، قال إنهم عادوا لتونس بعد استنفاد جميع الخيارات، وأضاف: "قافلة الصمود كانت خطوة أولى، وسنعود بمحاولة أقوى". وأشار إلى أن "الصمود 2" قيد الإعداد، لتفادي الأخطاء السابقة وتعزيز التضامن، في خطوة قد تعيد الصدام مع مصر إلى الواجهة، ويظل السؤال: هل سيستمر السيسي في منع محاولات كسر حصار غزة؟
 

https://www.middleeastmonitor.com/20250622-why-did-egypt-block-the-caravan-of-steadfastness/