طالبت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية النائب العام المستشار محمد شوقي بفتح تحقيق جنائي عاجل في وفاة سبعة محتجزين داخل قسم شرطة العمرانية خلال عام واحد فقط، وسط ما وصفته بـ"مؤشرات مقلقة" على وجود إهمال طبي جسيم وانتهاكات جسدية ونفسية بحق المحتجزين.

البلاغ الذي حمل رقم 42850 لسنة 2025 (عرائض النائب العام)، تضمّن مطالبات صارمة بوقف مأمور وضباط القسم عن العمل مؤقتًا لحين انتهاء التحقيقات، وإحالة المتورطين إلى المحاكمة حال ثبوت مسؤوليتهم، في ما وصفته المبادرة بـ"الفاجعة الإنسانية والقانونية".

 

سلسلة موت بطيء خلف القضبان

وتشير تفاصيل البيان إلى أن المحتجزين السبعة توفوا خلال الفترة بين مارس 2024 ومايو 2025 في ثلاث قضايا جنائية مختلفة، بينهم مرضى بأمراض مزمنة مثل السرطان والتصلب المتعدد، حُرموا من الحد الأدنى من الرعاية الصحية، وبعضهم توفي رغم صدور أحكام نهائية بحقه دون نقله إلى مراكز الإصلاح والتأهيل، كما ينص القانون.

في إحدى القضايا، توفي خمسة محتجزين بعد فترات احتجاز طويلة داخل القسم تراوحت بين 14 و19 شهرًا، من بينهم شاب عمره 25 عامًا تُوفي نتيجة التهاب رئوي حاد، وآخر عمره 36 عامًا نزف داخليًا حتى الموت دون أن يُنقل إلى المستشفى في الوقت المناسب. كما توفي شاب ثالث يبلغ من العمر 23 عامًا في ظروف لا تزال غامضة، فيما بقي محتجزان آخران في الزنزانة رغم صدور أحكام نهائية بحقهما، في انتهاك واضح للقانون.

في قضية أخرى، فارق الحياة محتجز عمره 44 عامًا بعد أقل من شهر على احتجازه، بينما توفي متهم ثالث (42 عامًا) في قضية ثالثة، رغم معاناته من السرطان ومرض مناعي خطير، ما يثير تساؤلات حول مدى قانونية استمرار احتجازه في مكان يفتقر لأدنى مقومات الرعاية الطبية.

 

مخالفة صريحة للقانون والدستور

استندت المبادرة المصرية إلى المادة 25 من قانون الإجراءات الجنائية، التي تخوّل أي شخص علم بجريمة أن يبلغ النيابة العامة، وطالبت بتفعيل صلاحيات المادة 85 من قانون تنظيم السجون، والتي تخول أعضاء النيابة العامة حق التفتيش على أماكن الاحتجاز والتحقيق في المخالفات، والتأكد من التزامها بالمعايير القانونية والإنسانية.

وأكدت المبادرة أن "تكرار حالات الوفاة في ظروف مشابهة وداخل نفس مقر الاحتجاز يكشف عن نمط متكرر من الإهمال والاستهانة بأرواح المحتجزين، ويشكّل انتهاكًا صارخًا للقانون المصري والاتفاقيات الدولية التي صدّقت عليها مصر، بما في ذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية".

 

دعوات متصاعدة للمحاسبة والإصلاح

أثارت تلك الوقائع موجة غضب بين منظمات المجتمع المدني ونشطاء حقوق الإنسان، الذين يرون أن ما حدث لا يمكن اعتباره "حالات فردية"، بل انعكاسًا لبنية أمنية لا تُخضع أفرادها للمساءلة بشكل كافٍ، وتسمح بانتهاك حياة المحتجزين وسلامتهم الجسدية والنفسية دون رادع.

وطالبت أصوات حقوقية بتوسيع التحقيقات لتشمل كل أقسام الشرطة التي تشهد حالات وفيات مماثلة، وبتشكيل لجنة برلمانية وحقوقية مستقلة لزيارة أماكن الاحتجاز والتأكد من توافر الحد الأدنى من الرعاية الصحية والإنسانية.

وفي ظل غياب الشفافية حول ظروف الاحتجاز، وندرة صدور تقارير رسمية مفصلة عن أسباب الوفيات داخل أقسام الشرطة، تتعاظم المخاوف من وجود نمط ممنهج يتعامل مع حياة المحتجزين كأمر ثانوي، ويُخفي وراء الجدران المغلقة مآسي لا تصل إلى الرأي العام إلا بعد فوات الأوان.