بين الإجراءات المشددة والملاحقات الأمنية، تتواصل ظاهرة الغش في امتحانات الثانوية العامة، وسط انتقادات واسعة لفشل نظام عبد الفتاح السيسي في معالجة أزمة التعليم وتفشي الفساد والإهمال.
موسم الامتحانات.. موسم الغش أيضاً
انطلقت امتحانات الثانوية العامة للعام الدراسي 2024-2025 في مصر يوم الاثنين 10 يونيو، وسط إجراءات أمنية مشددة أعلنت عنها وزارة التربية والتعليم بحكومة الانقلاب.
ويؤدي الامتحانات هذا العام نحو 745 ألف طالب وطالبة في كافة المحافظات، موزعين على 2200 لجنة، بحسب تصريحات الوزير رضا حجازي.
وقد تم تخصيص 4 آلاف عنصر أمني من وزارة الداخلية لتأمين اللجان ومنع تسريب الامتحانات، في محاولة للحد من ظاهرة "الغش الإلكتروني" التي تحولت إلى كابوس يؤرق الدولة وأولياء الأمور على حد سواء.
ورغم هذه الاستعدادات، كشفت الأيام الأولى عن تسريبات جديدة لامتحانات مادتي اللغة العربية والاقتصاد، حيث تداولت صفحات على تطبيق "تليغرام" أسئلة الامتحانات بعد دقائق من بدايتها، ما أعاد الجدل حول فاعلية الإجراءات الحكومية وجدواها.
حملات أمنية وقوانين مشددة.. ولكن!
في خطوة تعكس القلق الرسمي، أعلنت وزارة الداخلية بحكومة الانقلاب القبض على 39 شخصًا خلال الأسبوع الأول من الامتحانات بتهمة إدارة جروبات للغش الإلكتروني، وضبط 74 جهازًا يستخدم في تسريب الأسئلة، من بينها سماعات دقيقة وهواتف مزروعة داخل الملابس، وفق بيان رسمي بتاريخ 12 يونيو.
كما أصدرت وزارة التربية والتعليم بحكومة الانقلاب تعليمات صارمة بتفتيش الطلاب قبل الدخول للجان، ومنع دخول الهواتف المحمولة والسماعات، مع تركيب كاميرات مراقبة في بعض اللجان "المصنفة ساخنة".
وقد عدّلت الحكومة قانون مكافحة الغش عام 2020، ليصل إلى الحبس لمدة عامين وغرامة لا تقل عن 100 ألف جنيه لكل من يشارك أو يسهم في نشر أو تداول الأسئلة أو الإجابات خلال سير الامتحانات كما تم فصل أكثر من 250 طالبًا في السنوات الماضية بموجب هذه التعديلات.
إلا أن النتيجة على الأرض لا تزال هزيلة فبحسب تقرير صادر عن "المركز المصري للدراسات التربوية" في مايو 2024، فإن أكثر من 62% من طلاب الثانوية العامة يؤمنون بوجود وسائل غش فعالة، بينما قال 47% منهم إنهم يعرفون زملاء استفادوا من جروبات الغش دون أن تطالهم العقوبة.
غياب إصلاح التعليم وازدواجية الدولة
ما يحدث هو نتيجة مباشرة لفشل نظام السيسي في بناء منظومة تعليمية عادلة وحديثة، ويقول الدكتور كمال مغيث، الباحث بالمركز القومي للبحوث التربوية، إن "الغش ليس مرضًا عابرًا بل عرض واضح لفساد الدولة، ونتيجة منطقية لتجاهل التعليم لعقد كامل لصالح مشروعات غير منتجة كالعاصمة الإدارية".
ويضيف مغيث في تصريحات صحفية: "كيف نطلب من الطالب أن يكون نزيهًا في نظام تعليمي قائم على التلقين والحفظ؟ وكيف نثق في حكومة تعتمد على القمع وليس على الإصلاح؟".
مشيرًا إلى أن إهمال تدريب المعلمين، وغياب العدالة بين المدارس، وسوء أحوال المعلمين، كل ذلك صنع بيئة خصبة للغش والاحتقان.
وتؤكد نقابة المعلمين أن رواتب المدرسين ظلت مجمدة منذ 2015، في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة، ما دفع كثيرين منهم للبحث عن مصادر دخل أخرى، وأفقد التعليم المدرسي الرسمي جودته ومصداقيته.
تفاصيل امتحانات هذا العام
تستمر امتحانات الثانوية العامة حتى 20 يوليو، وتشمل 17 مادة دراسية مقسمة على الشعبتين الأدبية والعلمية، وقد تم تصميم الأسئلة بنظام "البابل شيت" الذي يعتمد على الاختيار من متعدد، بهدف تقليل فرص الغش والتلاعب إلا أن هذه التقنية لم تمنع التسريب، كما أظهرت السنوات الماضية.
وتعتمد الوزارة على لجان النظام والمراقبة، بالإضافة إلى غرف عمليات مركزية، لكن تسريبات هذا العام كشفت عن تواطؤ محتمل من بعض العاملين داخل اللجان، ففي واقعة تم التحقيق فيها يوم 11 يونيو، تبيّن أن أحد المراقبين بمحافظة المنيا شارك في تصوير أسئلة امتحان ونقلها عبر تطبيق "واتساب" مقابل مبالغ مالية.
تداعيات على مستقبل الطلاب والتعليم
تتزايد الشكوك حول مصداقية النتائج النهائية للثانوية العامة، والتي تعتمد عليها الجامعات في القبول، وفي ظل الشكاوى المتكررة من عدم تكافؤ الفرص، أطلقت العديد من الجامعات الخاصة حملات لجذب الطلاب بناءً على المصروفات لا الدرجات، ما يعمّق الفجوة بين طبقات المجتمع.
وحذر تقرير صادر عن "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية" في يونيو 2025 من أن "استمرار الغش المنظم يقوّض ثقة المجتمع في التعليم ويعيد إنتاج الفساد في كل مراحله"، مشيرًا إلى أن أعدادًا متزايدة من أولياء الأمور باتوا يعتبرون جروبات الغش "أداة لمواجهة ظلم النظام".
معركة خاسرة في ظل منظومة منهارة
بالنظر إلى المشهد العام، فإن محاربة الغش لن تنجح بمجرد إصدار القوانين أو زيادة أعداد أفراد الشرطة، بل تتطلب إصلاحًا شاملًا لنظام التعليم، يبدأ من رفع أجور المعلمين، وتحسين البنية التحتية للمدارس، وتوفير محتوى تعليمي حديث ومتاح للجميع.
وفي ظل حكم عبد الفتاح السيسي، الذي ركّز على الأمن والمشروعات العقارية، يبدو أن التعليم لا يزال في ذيل الأولويات، رغم أنه يمثل قاطرة حقيقية للتنمية، وهكذا، تبقى جروبات الغش أكثر فاعلية من لجان الوزارة، ويظل الطالب المصري ضحية لدولة فشلت في أن تصون مستقبله أو تحترم حقه في تعليم عادل ونزيه.