تشهد الشوارع المصرية خلال السنوات الأخيرة تزايدًا ملحوظًا في أعداد الكلاب الضالة، الأمر الذي أثار قلق المواطنين، وأدى إلى تصاعد حالات العقر، وسط غياب استراتيجية واضحة من الدولة للتعامل مع الظاهرة.

وفقًا لتقارير وزارة الصحة بحكومة الانقلاب المصرية، تم تسجيل أكثر من 1.6 مليون حالة عقر سنويًا بحلول عام 2024، بزيادة تجاوزت 300 ألف حالة عن عام 2019، مما يشير إلى فشل في جهود المواجهة، هذا التزايد دفع عدداً من المحافظات لإطلاق حملات عشوائية للقتل الجماعي للكلاب، دون مراعاة لحلول علمية أو إنسانية.

 

حلول علمية مهملة: لماذا تتجاهل الدولة توصيات المتخصصين؟

الدولة لم تُبدِ اهتمامًا كافيًا بتوصيات المتخصصين في الطب البيطري وحقوق الحيوان. د. أحمد عبد القادر، أستاذ الطب البيطري بجامعة القاهرة، صرّح في ندوة نظمتها النقابة العامة للأطباء البيطريين عام 2023 أن «الدولة تتجاهل برامج التعقيم والتطعيم رغم فعاليتها وانخفاض تكلفتها على المدى الطويل».

وأشار تقرير مشترك صدر عن الجمعية المصرية لحقوق الحيوان بالتعاون مع منظمة “FOUR PAWS” الدولية إلى أن تكلفة تعقيم كلب واحد تتراوح بين 150 و200 جنيه فقط، بينما تبلغ تكلفة علاج مريض مصاب بالسعار ما بين 10 و20 ألف جنيه.

 

مواقف رسمية مرتبكة وتصريحات متضاربة

تصريحات المسؤولين المصريين كشفت عن حالة من التخبط، ففي مارس 2023، قال اللواء هشام آمنة، وزير التنمية المحلية، إن «الوزارة تدرس كل الحلول المطروحة»، بينما أكد المتحدث باسم مجلس الوزراء، في تصريح متلفز، أن "القتل الرحيم للكلاب الضالة سيكون بديلاً للقتل بالسم أو الرصاص"، مما أثار موجة من الانتقادات من جمعيات حقوق الحيوان.

من جانبها، أكدت هدى مقلد، رئيسة مجلس إدارة جمعية الرفق بالحيوان، أن "الدولة لا تتعامل مع الملف بجدية وتُخضعه لتجاذبات شعبوية لا تستند إلى أساس علمي"، معتبرة أن "القتل الجماعي يحرم المجتمع من فرصة بناء نظام بيئي مستقر".

 

السيسي ونظامه.. فشل إداري؟

تبدو معالجة مشكلة الكلاب الضالة أمراً ثانوياً في أولويات الحكومة. الناشط البيئي كريم الجندي تساءل في منشور له على "X" (تويتر سابقًا): "كيف لدولة تدّعي الحداثة أن تفشل في تطبيق برنامج وطني للتطعيم والتعقيم؟ هل تنتظر الحكومة أن تتحول الشوارع إلى ساحات خطرة للأطفال وكبار السن؟".

ويؤكد مراقبون أن ما يُنفق على مؤتمرات دعائية يمكن أن يُنشئ عشرات مراكز الرعاية والتعقيم للكلاب في مختلف المحافظات.

 

التداعيات الصحية والنفسية على المواطنين

إلى جانب الخطر المباشر الناتج عن العقر، يتسبب الانتشار العشوائي للكلاب في أزمات نفسية وسلوكية، أظهرت دراسة أجراها مركز البحوث الاجتماعية والجنائية عام 2022 أن 47% من الأطفال في المناطق العشوائية يعانون من أعراض رُهاب الكلاب، مما يؤثر على سلوكهم المدرسي ويحد من حركتهم اليومية، كما تُشكل الكلاب الضالة بيئة خصبة لنقل الأمراض، مثل السعار والديدان الشريطية، وتُعيق الحملات الصحية الحكومية في مكافحة الأوبئة.

 

حلول علمية وإنسانية مقترحة

فيما يلي أبرز الحلول والاقتراحات الواقعية والعلمية لمعالجة ظاهرة الكلاب الضالة في مصر، والتي تجاهلتها حكومة السيسي رغم تكرار توصيات الخبراء والمجتمع المدني:

أ. برنامج وطني للتعقيم والتطعيم (TNR):

  • نموذج ناجح مطبق في تركيا والهند والأردن.
  • تكلفة الكلب الواحد: 150–200 جنيه مقابل آلاف الجنيهات لعلاج حالة سعار واحدة.

ب. مراكز إيواء وتعقيم على مستوى المحافظات:

  • لا تتجاوز تكلفة المركز الواحد 3 ملايين جنيه.
  • تُدار بالشراكة مع المجتمع المدني.

ج. تشريع قانون لحماية الحيوان:

  • يُجرم القتل العشوائي.
  • يُلزم المحافظات بخطط مدروسة.

د. حملات توعية وطنية:

  • إعلام، مدارس، مناهج تعليمية.
  • إزالة المفاهيم المغلوطة حول "خطر الكلاب" و"القتل ضرورة".

هـ. قاعدة بيانات ومسوح دورية:

  • تعيين فرق بيطرية لجمع البيانات الدقيقة.
  • استخدام نظم GIS لرسم خرائط انتشار.

 

ماذا تنتظر حكومة الانقلاب؟!

رغم ارتفاع حالات العقر، ومطالبات المجتمع المدني، والتقارير التي تقترح حلولاً فعالة وقليلة التكلفة، تظل الحكومة المصرية عاجزة أو غير راغبة في التحرك.

غياب الإرادة السياسية، والتعالي على خبرات المجتمع المدني، يشيران إلى نمط أوسع من الإهمال المؤسسي الذي أصبح سمة من سمات النظام.

بينما تُواجه دول أفريقية وعربية مماثلة الظاهرة بخطط واضحة ومدروسة، تصر الحكومة المصرية على الارتجال، مما يُضاعف من معاناة المواطنين ويُفاقم الأزمة.