في أوائل يونيو 2025، شنت إدارة ترامب حملة مداهمات وترحيل واسعة عبر إدارات الهجرة في كاليفورنيا، أسفرت عن اعتقال مئات من المهاجرين غير النظاميين خلال الأيام الأولى وحدها.

في لوس أنجلوس فقط، تم احتجاز أكثر من 100 شخص، غالبيتهم من الجالية اللاتينية.

وقد تخللت الحملة مواجهات عنيفة، استخدمت فيها السلطات الغازات المسيلة للدموع والرصاص المطاطي، ما أدى إلى إصابات بين المتظاهرين، وحتى أحد الصحفيين الأجانب.

هذه الإجراءات تأتي ضمن سياسة معلنة للبيت الأبيض تستهدف ترحيل أكثر من مليون مهاجر سنويًا، في واحدة من أشد الهجمات على الوجود اللاتيني في الولايات المتحدة منذ عقود.

 

تصعيد غير مسبوق.. تدخل عسكري فدرالي

في خطوة أثارت موجة من التنديد، أصدر الرئيس دونالد ترامب أمرًا بنشر أكثر من 2000 جندي من القوات الفدرالية، بينهم قوات من الحرس الوطني والمارينز، في شوارع لوس أنجلوس وسان دييغو، دون التنسيق مع حاكم الولاية جافين نيوسوم.

هذه هي المرة الأولى التي تُرسل فيها القوات الفدرالية إلى كاليفورنيا دون طلب رسمي من حاكمها منذ أحداث الحقوق المدنية في الستينيات.

الخطوة وُصفت بأنها تهديد مباشر لسيادة الولاية، وتجاوز للحدود الدستورية التي تكفل للولايات استقلالية اتخاذ القرار الأمني الداخلي.

الحاكم جافين نيوسوم أدان بشدة نشر القوات، واعتبره "تصعيدًا خطيرًا من إدارة تعمل على خلق أزمة داخلية لتبرير تدخل عسكري في شؤون الولايات".

من جهتها، وصفت عمدة لوس أنجلوس الخطوة بأنها "غزو مسلح غير مرحب به"، فيما أعربت نائبة الرئيس كامالا هاريس عن دعمها الكامل لموقف الولاية، معتبرة ما يجري محاولة لقمع الحريات المدنية باسم الأمن.

في المقابل، ظهرت أصوات مؤيدة من تيارات يمينية محافظة تدعم فكرة "استعادة القانون"، متهمين الديمقراطيين بالتقصير في حماية الممتلكات والأرواح خلال التظاهرات.

 

أبعاد دستورية

من منظور قانوني، يفتح نشر القوات الفدرالية دون طلب الولاية الباب أمام جدل دستوري حاد، خصوصًا في ما يتعلق باستخدام "قانون التمرد" الذي يتيح للرئيس نشر الجيش في حال وجود حالة عصيان مسلح، وهو ما لم يتوفر فعليًا في كاليفورنيا.

محامون دستوريون وصفوا القرار بأنه اعتداء صريح على مبدأ الفصل بين السلطات الاتحادية والمحلية، فيما أكدت منظمات حقوقية أن الخطوة تهدد بانهيار الإطار الديمقراطي الأمريكي وتكرّس مبدأ الحاكم الفرد.

 

احتجاجات وانتشار أمني

الشارع لم يبقَ صامتًا. خرج آلاف المتظاهرين إلى شوارع لوس أنجلوس وسان فرانسيسكو، تنديدًا بسياسات الترحيل والعسكرة. أُغلقت طرق سريعة، ووقعت اشتباكات محدودة بين المحتجين والقوات الفدرالية، نتج عنها عشرات الإصابات والاعتقالات.

كما نُظّمت فعاليات بعنوان "يوم بدون مهاجرين" بهدف إبراز الدور الحيوي للمهاجرين في الاقتصاد المحلي.

المراقبون أشاروا إلى أن استخدام القوة المفرطة من قبل السلطات الفدرالية ساهم في تأجيج المشاعر الغاضبة، بدلًا من تهدئتها.

تعكس هذه التطورات نزعة سلطوية متزايدة لدى إدارة ترامب، بحسب المراقبين، حيث تسعى إلى فرض الهيمنة الفدرالية على الولايات المناوئة لها سياسيًا.

ويخشى كثيرون من أن تكون هذه الإجراءات جزءًا من نمط سياسي أوسع يهدف إلى ترسيخ حكم مركزي قوي على حساب الديمقراطية المحلية والتوازن بين السلطات.

في هذا السياق، يرى منتقدو الإدارة أن ما يحدث في كاليفورنيا اليوم قد يشكّل سابقة خطيرة لفرض سياسة القمع والاحتواء بالقوة في أي ولاية لا تتماشى مع خط الإدارة الفدرالية، وهو ما يهدد بانهيار النموذج الفيدرالي الأمريكي.