بين أروقة معهد القلب القومي، تتكدّس المعاناة فوق أسرّة الانتظار، أكثر من 150 مريضًا يقفون في طابور الأمل، منتظرين عمليات قلب قد تؤجل مرارًا، في ظل أزمة متفاقمة تعصف بمنظومة الرعاية الصحية وتعرّي تحديات التمويل، ونقص الأطباء، وتأخُّر الموافقات الحكومية، ونُدرة المستلزمات.

ورصدت شهادات من داخل المعهد، أكدت أن مواعيد الجراحات القلبية تتأجل لأكثر من مرة، فيما تطول فترة الانتظار لتصل أحيانًا إلى شهر أو أكثر. المرضى لا يملكون ترف الوقت، لا سيما أن كثيرًا من الحالات تصنّف على أنها "حرجة".
 

المرضى في دوامة التأجيل
   مواعيد العمليات مش ثابتة.. اتأجلت مرتين من غير سبب واضح"، هكذا يقول أحد المرضى للمنصة، مشيرًا إلى أن حالته تستدعي تدخّلًا سريعًا، لكن إدارة المعهد لا تقدم حلولًا عاجلة، وسط ضغط شديد على الفرق الطبية.
يُشارك مريض آخر بشكوى مماثلة: "الانتظار مرهق نفسيًا وجسديًا.. كل يوم تأجيل بيخلّي الحالة تسوء".
ويُجمع المرضى على أن النظام الحالي غير منضبط، ويفتقر إلى الشفافية في تحديد أولوية الحالات أو مواعيد دقيقة للجراحة.
 

جمعية الحق في الدواء: 10 شكاوى خلال شهرين
   
من جانبه، كشف محمود فؤاد، مدير جمعية الحق في الدواء، أن الجمعية تلقت أكثر من 10 شكاوى من مرضى معهد القلب خلال الشهرين الماضيين، بسبب طول فترة الانتظار وتأجيل العمليات.
وأكد فؤاد أن المعهد يتحمل عبء استقبال مرضى من مختلف المحافظات، دون أن تتوافر له الإمكانيات البشرية والمادية الكافية.
وأشار إلى أزمة متكررة في نظام التأمين الصحي الشامل، إذ تتأخر الموافقات الطبية لما يصل إلى شهرين، ما يعقّد مسار العلاج، خاصة في الجراحات الطارئة.
 

نقص المستلزمات وتضخم تكاليف العلاج
   
وأشار فؤاد إلى أزمة حادة في توافر المستلزمات الطبية، نتيجة اضطرابات استيرادها بسبب ارتفاع سعر الدولار.
"تكلفة عملية القسطرة في المستشفيات الخاصة قفزت من 10 آلاف جنيه في 2022 إلى أكثر من 75 ألف جنيه حاليًا"، حسب قوله، وهو ما يفاقم من اعتماد المرضى على المؤسسات الحكومية التي تعاني بالفعل من الضغط.
 

أزمة الطوارئ
   
تُظهر تقارير الجمعية أن قسم الطوارئ بمعهد القلب يعاني نقصًا حادًا في الكوادر، حيث لا يوجد في بعض الأوقات الليلية سوى طبيبين فقط لمتابعة جميع الحالات، ما يعكس حجم الفجوة بين الحاجة الفعلية والموارد المتاحة.

يقول الدكتور أحمد كامل، نائب مدير معهد القلب القومي، إن عدد الحالات على قوائم الانتظار يبلغ نحو 150 حالة فقط، مؤكدًا أن المعهد يعمل على إنهائها خلال شهر على الأكثر.
وأشار إلى أن الطاقة التشغيلية للمعهد تُمكّنه من إجراء ما يقرب من 10 عمليات جراحية يوميًا، وهو رقم يتوافق مع عدد الأطباء الحاليين، ما يوضح محدودية القدرة على التوسّع أو استيعاب المزيد من الحالات العاجلة.
 

خلفية الأزمة.. نزيف الكوادروضعف التمويل
   تأتي أزمة معهد القلب في سياق أوسع يعاني منه القطاع الطبي في مصر.
ففي تقرير أصدرته نقابة الأطباء عام 2022، تبين أن معدل الأطباء في مصر يبلغ 8.6 طبيبًا لكل 10 آلاف مواطن، مقابل المعدل العالمي البالغ 23 طبيبًا، ما يعكس عمق أزمة هجرة الأطباء ونقص الكفاءات.
ورغم إعلان وزارة الصحة في فبراير الماضي عن نجاح مبادرة إنهاء قوائم الانتظار، التي أجرت منذ 2018 أكثر من 2.6 مليون عملية جراحية تشمل جراحات القلب، فإن الوقائع الحالية تكشف عن استمرار التكدّس وتراجع القدرة على تلبية الاحتياج المتزايد.